وطي الصوت.. الناس بتموت!
يقول المثل العربي الدارج "ربّ ضارة.. نافعة".. ورغم أن هذا المثل لا يجوز تطبيقه وتعميمه على الحالة التي أنا بصدد الحديث عنها، لأنني أؤمن أن الضارة كارثة عظيمة، لا منفعة منها ولا أي شيء إيجابي على الإطلاق، إلّا أنني أشير وحسب إلى أن حجم النيران التي أكلت الأخضر واليابس وحالة التعاطف الشعبية العالمية مع القضية، كان من شأنها أن تؤلف بين قلوب، الإخوة الأعداء كرويًّا.
جماهير قطبي الكرة المصرية الغريمين اللدودين الأهلي والزمالك، ودون اتفاقٍ مسبقٍ أطفأت كل نيران حرب التعصب الدائرة بينهما منذ سنوات عبر كل منصات التواصل الاجتماعي.
ورأينا جماهير الأهلي تشيد بموقف أيقونة الزمالك النجم الأسمر محمود عبد الرازق "شيكابالا" لمجرد أنه كان من أوائل نجوم الكرة المصرية الذين أعلنوا دعمهم للقضية، وتبارت جماهير الأهلي في إعادة نشر تدوينات "شيكابالا"، وهي التي كانت من قبل تهاجمه بعبارات عنصرية يُعاقِب عليها القانون، ثم ردت جماهير الزمالك بالإشادة بمبادرات نجوم الأهلي التضامنية.
وحولت جماهير القطبين اللاعب المصري المحترف في الدوري التركي، أحمد حسن "كوكا" إلى بطل قومي وعربي بعدما تمرد على تحذيرات الأندية الأوروبية، ونشر رسالة قوية باللغة الإنجليزية، بعدما كان سابقًا محل انتقادات جماهيرية لاذعة كلما تم استدعاؤه إلى صفوف منتخب بلاده.
ولم تشهد منصات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة أي خلاف أو نزاع بين جماهير الغريمين الأحمر والأبيض في أي من القضايا الجدلية كما هي العادة اليومية، بل إنها تحالفت علي قلب "رجل واحد" في انتقاد شيء واحد، وهو عدم تفاعل أي نجم مع القضية، وهي الحقيقة التي تجسدت في حالة الهجوم التي تحوّلت إلى غضب شعبي عارم ضد أيقونه وفخر الرياضة المصرية بل كرة القدم، محمد صلاح، قبل أن يكسر نجم ليفربول الإنجليزي الحاجز، ويخرج عن صمته متأخرًا.
واللافت كذلك عزوف الجماهير المصرية عن متابعة المباريات حتى عبر الشاشات، وسجلت المدرجات تراجعًا كبيرًا في الحضور، ناهيكم عن الحالة النفسية التي انعكست على تصريحات كل لاعبي ومدربي الأندية المصرية عقب كل مباراة والذين كانوا يشعرون بالخجل من أنفسهم وهم يخوضون المباريات، وكان لسان حال الجميع "كورة إيه بس دلوقتي ؟!".. وهي الأجواء التي دفعت وزير الرياضة المصري للترتيب لإقامة مباراة ودية بين الأهلي والزمالك على أن يخصص ريعها لفلسطين.
وفي مباراة الأهلي الأفريقية الأخيرة التي استضاف فيها فريق سيمبا التنزاني لحساب إياب الدور ربع النهائي للبطولة القارية الوليدة "الدوري الأفريقي"، أو دوري السوبر الأفريقي، انتقدت الجماهير الحمراء ما فعلته هيئة استاد القاهرة الدولي التي كالعادة أذاعت تشكيلة من الأغاني عبر مكبرات الصوت الداخلية بهدف تسليه الجماهير قبل انطلاق المباراة، قبل أن تتوقف على خلفية الهتاف الغاضب المدوي الذي عكس الحالة النفسية السيئة ليس لجماهير الأهلي فقط بل لكل الشعب المصري الذي يرفض أي مظاهر احتفال حتي في المباريات، فكان هتاف: "وطي الصوت.. الناس بتموت".
وبالأمس، الجمعة، فعلت جماهير الزمالك ما لم تفعله أي جماهير أخرى في العالم بارتداء زي الحداد الأسود، وظلت الجماهير البيضاء تهتف للقضية ولم تتوقف لحظة عن ذلك رغم هزيمة فريقها أمام إنبي في الدوري المحلي.