وتأتي على قدر (الهلال) المكارم!

تاريخ النشر:
2023-02-18 12:54
سالم الدوسري لاعب نادي الهلال السعودي بهدفه أمام فلامينغو البرازيلي (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

"وتأتي على قدر الكرام المكارم" شطر يكمل بيتًا شعريًّا للمتنبي ينتصر لأهل العزم والعزائم، وهذا ما ينطبق صوت وصورة على الهلال السعودي، الذي بات بوصافته العالمية شاغل الناس وشاغل الدنيا. 

من يعرف الهلال جيدًا، ويعي مسيرته مع الألقاب القارية والبطولات المحلية؛ فلن يستغرب أو يندهش عندما يفرض الزعيم نفسه وصيفًا لبطل العالم للأندية على بساط الجدارة والاستحقاق. 

والذين يعلمون سر الحمض النووي الهلالي مع الإنجازات الضخمة، لن يروا في الملحمة الزرقاء المونديالية سوى عنوان للاستماتة والتضحية، والاستماتة والتضحية في واقعية كرة القدم عنصران هامان يقلصان الفوارق مع الآخرين، ويمنحان المتسلح بهما طاقة ذهنية خارقة.

وكيف لا يعتنق الهلال مبدأ الكرم والمكارم! وقد كان أهلًا للعزم والعزائم من خلال ما سطره من تضحيات ومآثر بطولية راقية توزعت بين طنجة والدار البيضاء، فعندما تفجرت براكين لاعبيه في المغرب حممًا من المتعة، حضرت (عرضة) الهلال بكل صخبها و(رزيف) سيوفها، فتوارت رقصة السامبا خجلًا وكسوفًا، وسهر العالم كله على نور الهلال.

وتبقى الأسئلة التي تطير من رأسي بسرعة انطلاقات (التورنيدو) سالم الدوسري:
كيف امتلك الهلال مقومات الفريق الكبير، وهو الذي رحل من الرياض بقلب مثقوب من الألم؟
كيف تحول الهلال -وقد كان عرضةً لسهام ونبال ذوي القربى- إلى قوة عظمى تسيطر وتكتسح، حتى أنه كان أمام فلامينغو البرازيلي أقرب إلى عاصفة مدمرة تأتي على كل شيء، قبل أن يتحول أمام ريال مدريد إلى هدير أزرق جارف انحنت أمامه كل خبرة لاعبي بطل أوروبا؟

يبدو الهلال السعودي مختلفًا عن غيره من الأندية العربية التي تحمل نفس المسمى، وتدّعي وصلًا بالهلال والهلال لا يقر لها بذلك، فهذا النادي تعرض لمذبحة قرارات استدعت حرمانه من التعاقدات لفترتين متتاليتين على خلفية تداعيات قضية تجديد عقد محور الارتكاز محمد كنو. 

هذا الهلال كان عليه أن ينازل الوداد المغربي بطل أفريقيا وفي قلبه جرح يتكلم، وكان عليه أن يخوض نزال نصف النهائي أمام فلامينغو البرازيلي بجسد مثخن بالألم والغيابات، لكن الزعيم ثار وغضب وزمجر، فابتلع طوفانه الأزرق الوداد صاحب الأرض والجمهور، ثم أجهز على الفريق البرازيلي ملقنًا لاعبيه درسًا في فنون (الفنتاستيك) الهلالية.

وعندما يقول قائد ريال مدريد المتألق كريم بنزيما إن فريقه حفر عميقًا في جدار الهلال ليتوج بطلًا للعالم، فكلامه منطقي وواقعي ولا يحمل ذرة مجاملة، لأن الهلال لدغ الشباك المدريدية ثلاث مرات، وكان في أوقات كثيرة ندًا شرسًا وقريبًا من مضاعفة الغلة.

عاد الهلال من أرض (ابن بطوطة) بهذا الإنجاز الكبير مذكرًا كل عشاقه بأنه الفريق الكبير الذي لا يخشى وعورة المسالك، ولا المنافس مهما كان حجمه، وأنه الزعيم القادر على صنع التفوق حتى في أسوأ الظروف. 

لا أعتقد أن فريقًا آخر تعرّض لمثل تلك الظروف السيئة التي اجتمعت كلها على رأس الهلال على بعد أيام قلائل من انطلاقة مونديال الأندية، لكن  معدن الزعيم الأصيل "يظهر" و"يبين" وقت المحن، فتلك الظروف السيئة خلقت لدى اللاعبين المزيد من الحوافز والدوافع التي دفعت هرمون الأدرينالين لإفراز أعلى نسبة من التحذير بالمخاطر لأجل تفاديها في الوقت المناسب. 

وفي وقتٍ ظن فيه مدرب ريال مدريد المخضرم كارلو أنشيلوتي أن مواجهة الهلال في النهائي نزهة يمكن حسمها بأقل مجهود، فوجئ بشراسة الهلال وتناسق وتكامل خطوطه وترابطها فنيًّا وتكتيكيًّا.

مارس الهلال بحنكة مدربه الأرجنتيني رامون دياز كرة جماعية فريدة تمارس من طرف الأفراد، مستندًا في طريقة لعبه على توازن الخطوط وتناغمها، من دفاع منظم، إلى وسط ميدان شرس منقض ومقتحم، ونهاية بمضادات هجومية تنذر دائمًا بالأخطار المحدقة وبالأهداف الجميلة.

من دون أدنى جدل أحسن رامون دياز توظيف لاعبيه داخل الملعب وتهيئتهم ذهنيًّا لخوض معترك عالمي، لا يحتاج إلى نوعية محترفة من اللاعبين الذين يحسنون اللعب تحت ضغط الظروف المعاكسة فقط، لكنها تحتاج إلى ثبات انفعالي، وإلى لياقة نفسية ترفع مؤشر التركيز إلى حالته القصوى.

كان الاكتشاف المذهل بالنسبة للهلاليين مردود اللاعب الأرجنتيني لوسيانو فييتو الذي كان مغضوبًا عليه جماهيريًّا، ولقد أجاد رامون دياز عندما حرره من الواجبات الدفاعية، موظفًا كل قدراته الفنية والمهارية في الثلث الهجومي فقط.

وعندما اعتلى فييتو منصة التتويج وهو ثالث أفضل لاعب في البطولة بعد لاعبَي الريال فينيسيوس جونيور وفالفيردي على التوالي، ضحك راقص التانغو ملء شدقيه، لأنه بهذا الإنجاز الفردي أنهى جدلًا كاد يقتلعه تمامًا من التشكيلة الأساسية.

والآن وبعد أن طارت الطيور الزرقاء بأرزاقها وقد ابتلعت كل حبات قمح مونديال الأندية، لا يجد الهلاليون فرصة للراحة والتقاط الأنفاس والتلذذ بفضية العالم، على اعتبار أن دوري أبطال آسيا سيعاود الدوران مجددًا من ملاعب التحفة المونديالية القطرية.

وكعادة الزعماء مع ثقافة ومبادئ نادي الهلال، سيرفعون في الدوحة شعار الفوز أولًا، والفوز ثانيًّا، والفوز دائمًا، فطالما كانت طبيعة الحمض النووي الهلالي لا ترضى بغير الزعامة، فلا شك أن لاعبي الهلال سيخوضون الأدوار الحاسمة بشغف جديد، سيدفع المدرب الهلالي الخبير رامون دياز لرفع شعار: "نكون أو لا نكون".

وإذا كان نادي الهلال يبدو شرهًا وجائعًا ومتعطشًا للألقاب ولا يشبع بطولات، فمن المتوقع أن تشكل فضية العالم حافزًا رهيبًا للنيل من الخصوم محليًّا وآسيويًّا، فالفريق الذي يهزم فلامينغو البرازيلي بكل لآلئه، ثم يلعب الند للند أمام ريال مدريد، ويسجل في مرماه ثلاثية تاريخية من النوع الفاخر، قادر على مواصلة كتابة التاريخ بلغة لا يفهم فحواها سوى من يمتلك جينات الهلال.

شارك: