هل تنصف المحكمة الأوروبية لاعبات كرة القدم "المحجبات"؟

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-07-03 16:28
اللاعبات المحجبات في فرنسا يتمسكن بحقهن في ممارسة كرة القدم (Getty)
سعد مبروك كاتب مقالات في winwin
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

في الوقت الذي تمتد فيه دائرة الغضب والعنف والشغب في العاصمة الفرنسية باريس وضواحيها وبعض المدن الأخرى بعد مقتل الشاب نائل برصاص الشرطة، لا تزال فرنسا تعيش على وقع "معركة" رياضية في الأساس امتزجت فيها السياسة والدين والحقوق الفردية والحريات وغيرها من المسائل المجتمعية والفلسفية والفكرية المتعددة. 

ففي يوم الخميس 29 يونيو/ حزيران الماضي من هذا العام 2023، أقر مجلس الدولة الفرنسي حظر الحجاب على اللاعبات المسلمات اللاتي يردن ويطالبن بحقهن في ارتداء الحجاب خلال مباريات كرة القدم النسائية الفرنسية.

انطلقت هذه القضية منذ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، عندما طعنت مجموعة النساء المسلمات التي تعرف بـ "المحجبات Les Hijabeuses" في شرعية المادة الأولى من لوائح الاتحاد الفرنسي لكرة القدم التي تنص منذ عام 2016 على حظر "ارتداء أي علامة أو ملابس تظهر بوضوح الانتماء السياسي أو الفلسفي أو الديني أو النقابي".

تأسست مجموعة المحجبات في شهر مايو/ أيار 2020 في العاصمة الفرنسية باريس، ضمن جمعية "تحالف المواطنة" التي تناضل من أجل تمكين النساء المسلمات من حقوقهن كالحق في السكن والخدمات العامة، والتي نظمت احتجاجات في مدينة غرونوبل الواقعة في منطقة الألب ضد منع "لباس السباحة الإسلامي" في المسابح، وهي العملية التي عرفت بـ "عملية البوركيني".

وتهدف مجموعة "المحجبات" إلى الدفاع عن حق لاعبات كرة القدم في ارتداء الحجاب؛ بسبب منع الاتحاد الفرنسي لكرة القدم ارتداء الحجاب في المباريات الرسمية متعللةً بذرائع واهية مثل الصحة والسلامة، في تعارض واضح وتناقض صريح مع قوانين اللجنة الأولمبية الدولية التي سمحت للاعبات منذ عام 1996 بارتداء الحجاب خلال مشاركتهن في الألعاب الأولمبية، ومع قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" التي سمحت، لاحقًا، للاعبات في عام 2014 بالمشاركة في المنافسات الدولية بالحجاب.

وبالإضافة إلى هذه الاستنادات القانونية الدولية والأولمبية، وكذلك بالاستناد إلى سماح عدد من البلدان الأوروبية للاعبات المحجبات بالمشاركة في مباريات كرة القدم، لاقت مجموعة "المحجبات" موقفًا إيجابيًا، يوم الإثنين 26 يونيو الماضي، عندما أيد المقرر العام بمجلس الدولة كليمان مالفيرتي -وهو المستشار القانوني للدولة الفرنسية وطرف رئيسي في القضايا الإدارية مهمته تقديم مشورة قضائية علانية باستقلالية تامة بصفته عضوًا في هيئة المحكمة الإدارية والذي غالبًا ما يتم اتباع رأيه- ارتداء الحجاب في مباريات كرة القدم، طالبًا من الاتحاد الفرنسي لكرة القدم تعديل قوانينه، وقال إن من حق اللاعبات المحجبات المشاركة في المباريات التي ينظمها الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، معتبرًا أن "القاعدة" التي يستند عليها الاتحاد الفرنسي لكرة القدم "غير مبررة"، باعتبار أنه لا توجد "دعوة" ولا "استفزاز" بمجرد ارتداء الحجاب.

إلا أن مجلس الدولة الفرنسي خالف يوم الخميس الماضي رأي المقرر العام وقرارات وقوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم واللجنة الأولمبية الدولية، حينما أقر حظر الحجاب على اللاعبات خلال المباريات النسائية، معتبرًا في قراره أن اللاعبات يقمن بخدمة عامة وبالتالي لا يخضعن لواجب "الحياد"، ولكن يمكن للاتحاد الفرنسي لكرة القدم أن يسن القوانين التي يراها ضرورية لـ"حسن سير" المباريات. كما أوضح في بيان صحفي له أنّ "الاتحادات الرياضية، المسؤولة عن ضمان حسن سير الخدمات العامة المنوطة بإدارتها، يمكنها أن تفرض شرط الحياد على اللاعبات من ناحية الملابس في أثناء المنافسات والأحداث الرياضية من أجل ضمان حسن سير المباريات ومنع أي صدام أو مواجهة".

يبدو أن آذان مجلس الدولة الفرنسي، أعلى سلطة قضائية إدارية في البلاد، كانت تصغي جيدًا إلى المعارضة الشرسة التي يلاقيها السماح بارتداء اللاعبات الحجاب خلال المنافسات في أوساط اليمين جميعها وعلى اختلاف مشاربها ومذاهبها، ووسط مواقف باهتة متراجعة ومتقهقرة جدًا ليسار فرنسي بكل أطيافه مشتت وضعيف حيث اكتفى بعض من قاداته بترديد شعارات خاوية. كما أنه استمع إلى صدى تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي في شهر يناير/ كانون الثاني 2022 لصالح حظر ارتداء الحجاب في المنافسات الرياضية، بحجة التزام شرط الحياد في مجال الألعاب الرياضية، وبحجة أن الحجاب وأغطية الرأس تعرض سلامة و"انضباط" الرياضيات اللاتي يرتدينها للخطر.

الثابت أن الحجاب سيظل في الأشهر القادمة وقود الحملة الانتخابية الرئاسية المقبلة، ولن تتباين كثيرًا، إن لم نقل بالمرة، مواقف جميع الأحزاب السياسية الفرنسية مهما كانت شعاراتها المنادية بالديموقراطية والحريات العامة والفردية.

وبما أن مجلس الدولة، بصفته القاضي الإداري الأعلى في فرنسا، قد أصدر قراره النهائي في القضية، لم يبق أمام "المحجبات" سوى التوجه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ومقرها ستراسبورغ بفرنسا، وهي محكمة تأسست في شهر يناير عام 1959 بناءً على المادة 19 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950، وهي المحكمة الأوروبية المسؤولة أساسًا عن كفالة مراعاة واحترام حقوق الإنسان وإعطاء حكمها في انتهاكات الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، بالنظر إلى علوية وسيادة القانون الأوروبي على القوانين الوطنية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. 

فوفقًا للمادة 34 وما يليها من الاتفاقية الأوروبية يمكن لأي شخص الاستئناف أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وهذا ما ستفعله مجموعة "المحجبات" على الأرجح، فهل ستنصف هذه المحكمة اللاعبات المحجبات حتى يمارسن نشاطهن في الملاعب الفرنسية؟

شارك: