كريم بالون دور ..!
منذ أن أطلقت مجلة (فرانس فوتبول) الفرنسية ذائعة الصيت جائزة الكرة الذهبية عام 1956 لتتويج أفضل لاعب في أوروبا سابقاً والعالم حالياً، اختلف النقاد والمحللون والفنيون وحتى الجمهور بمختلف ميولهم حول سؤالٍ احتار في الإجابة عنه أهل الجِلد المدوّر.
الإنجازات أهم عند الاختيار أم الأداء الفردي؟
من المفترض أن يدفعني سببان للانحياز إلى الإنجازات على حساب الأداء الفردي:
- الأول: الجائزة من وجهة نظري مكافأة جماعية للاعبين دون استثناء، فالفائز بجائزة (الكرة الذهبية) لا يمكنه حصدها دون وسائل مساعدة من زملائه.
- الثاني: هذه جائزة تنصف الفريق أو المنتخب الذي حقق إنجازًا ضخمًا في البطولات الكبرى على غرار دوري أبطال أوروبا وكأس الأمم وكأس العالم.
إنها جائزة -في تقديري- ترفض أنانية (الذات) ويجب أن تنتصر لروح الجماعة، فهي في النهاية بمثابة تتويج لكفاح إدارة وذكاء مدرب ومساندة جماهير وفّرت كل سبل الراحة للاعب المتوج بالجائزة المرموقة.
ويفترض أن سببًا ثالثًا يجعلني هذا العام أنحاز بكل جوارحي للإنجازات، والسبب الذي يُبطِل العجبَ يتعلق بما فعله العبقري الفرنسي كريم بنزيما قائد ريال مدريد الذي غطّت إنجازاته الكبيرة على كل نجوم اللعبة الموسم الماضي.
في كل عامٍ يُثار الجدل حول هوية الفائز بالكرة الذهبية، وما يصاحب هذا الاختيار مِن ميول عاطفية وتعصب شخصي، لاعتباراتٍ كثيرةٍ معظمها يتعلق بالتسويق والاستثمار وما إلى ذلك، لكن بنزيما هذا العام قطع لسان كل خطيب ولم يترك مجالًا للتخمين، لأنه باختصار شديد أغلق باب الجدل هذه المرة وخلق إجماعًا عالميًّا على أنه "البريمو" وفارس "البالون دور" دون منافس.
أقولها بالفم الملآن -وأجري وأجركم على الله- لا حاجة لاختيار قائمة طويلة عريضة ثم اختزالها؛ لأن كتاب (البالون دور) هذا العام يُقرأ من عنوانه، فلا أحد -مهما كان وزنه- يتجرأ ويخالف القاعدة هذه المرة، على اعتبار أن كريم بنزيما نجح بامتياز في المزاوجة بين الأداء الفردي الأكثر فاعلية والإنجازات الجماعية مع ريال مدريد.
وسبحان مُغيّر الأحوال، فبنزيما الذي عاش لأكثر من 12 عامًا في ظل كريستيانو رونالدو، تفجّرت مواهبه الخارقة مع رحيل البرتغالي، فتحول من مجرد مُمهِّدٍ وجسرِ عبورٍ يحمل في جرته بعض الملوحة إلى لاعب استثنائي شامل متكامل يجمع المجد من كل أطرافه.
مسألة تتويج كريم بنزيما بالكرة الذهبية مسألة وقت فقط، ويبقى السؤال: لماذا أصبح بنزيما مثل رأس الحية المتوقد، كما قال الشاعر (طرفه بن العبد) عن نفسه؟
في تقديري أن بنزيما يأتي بعد ليونيل ميسي في قوة التأثير داخل الملعب؛ لأنه يتميز عن غيره من المهاجمين واللاعبين بما يلي:
- قدرته الفائقة على الخداع بتقنية سرعة الجري قطريًا و أفقيًّا، فيخلق له ولغيره نسبة تهديف عالية جدًا.
- تقنيته العالية في توقيت التسديد من مختلف الوضعيات والزوايا، الأمر الذي يُصعّب على المدافعين التنبؤ بما سيفعله في جزء من الثانية.
- ثقافته التكتيكية العالية في كيفية الاحتفاظ بالكرة في التوقيت المناسب وفي أي مساحة من الملعب، لأجل تغيير إيقاع اللعب وتحرير لاعبي الوسط من الضغط العالي للمنافس.
- المساندة الدفاعية للاعبي الوسط، ممّا يسهل عملية استرداد الكرة في منطقة الخصم.
- الذكاء التقني في خلق مساحات للعب مع نظرةٍ ثاقبةٍ في صناعة اللعب تحت الضغط الهائل للمنافس، وهي مهمة صعبة للغاية لا يؤديها بإتقانٍ إلا لاعب ذو قريحة تكتيكية نادرة.
الكرة الذهبية ستذهب هذه المرة للاعب لا غبار عليه، يستحقها دون أن يختلف عليه اثنان، وما أعظمه من درس في الصبر والإرادة وقوة التحدي! يكتبه بنبض الإبداع لاعب في سن الرابعة والثلاثين، لاعب انتظر طويلًا ليتحرر من قبضة (الدون) الحديدية قائلًا للعالم مِن أدناه إلى أقصاه بالصوت العالي وشاهد الحال: "أنا الحكومة.. أنا كريم بالون دور".