كريستيانو رونالدو.. كادت أن تجهضه أمّه فصار حظ ماديرا الآمن!
بينما امرأة برتغالية في حي أنطونيو بمدينة فونشال التابعة لجزر ماديرا، كانت تعاني من الفقر الساحق، وهي برفقة زوج يعمل بنّاءً مبتلى بالإدمان على الكحول، ستنتبه فجأة أنها حامل؟! يا للهول!
هل ستشارك في إنجابه؟! سألت نفسها، وعلى الفور اتخذت قرارًا بالتخلّص من الجنين! فكيف يمكن لها أن تضع مولودًا جديدًا في بيت منهك ومتداعٍ، ينخره الفقر ويقوده عرّاب يترنّح يوميًّا من الإفراط في الشرب!
لكن شيء ما منعها من الإقدام على تلك الخطوة؟! لعلّه حدس أمومتها البالغ مثل جرح على جبين فارس وصل إلى معاركه الختامية، فقرر أن يموت واقفًا، فإذا بالمدد يأتيه من غامض علمه!
كان ذلك هو التحوّل الدرامي الأوّل في حياة الأم التي بعدما تراجعت عن فكرة إجهاضه، وصار عمره 12 عامًا عادت لتقذفه في فم الحياة كي تلوكه، فإما أن يصرعها ويلوذ بحضن أمّه منتصرًا، أو أن دربه تلك ستكون مشفوعة بذيول الخيبةّ.
لكن النتيجة أنه استحال أشهر ما أنجبت الأرض. إنه كريستيانو رونالدو! الشخص الذي يبدو وكأنه أتى على هذه الدنيا مطبوعًا على ظهره رقم 7 أي رمز الحظ الذي يحمله حسب أهل الفلك كل عميق بتفكيره، سريع الاستيعاب.
كما أنه يرمز للتواصل والانسجام مع الآخرين، وأيضًا هو رقم التصوف والتفكير الفلسفي الذي تقدّسه جميع الديانات! الجنين الذي كان على وشك الموت قبل أن يخلق، صار أشهر رجل في الأرض، والأكثر متابعة على السوشيال ميديا، وبات رقمه ماركة مسجلة تبلغ سطوتها حواف السماء!
"وهو في سن الـ12 تركته يذهب .. كنت كمن تخلّت عن روحها" تقول ماريا أفيرو والدة كريستيانو عنه في الفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان «رونالدو» (للمخرج البريطاني أنطوني وونك- مدته 96 د- أُنتِج سنة 2015) وهو يروي قسطًا من سيرة ذاتية في مرحلة مهمة من حياة نجم كرة القدم، وأحد مرجعياتها اللامعة، وأهم أيقوناتها، خاصة على مستوى الاجتهاد والمثابرة والإرادة وقهر المستحيل!
الفترة التي أتى فيها رونالدو ليقود نادي القرن ريال مدريد إلى لقب بطولة دوري أبطال أوروبا العاشر سنة 2014 بعد إقصاء الملكي من المسابقة لمدة 12 عامًا أي نفس عدد السنين التي قضاها رونالدو مقهورًا في كنف أبيه، السكّير الذي لم يعوّل على ابنه، أو يأخذ خيار احترافه لكرة القدم على محمل الجدّ، حتى أخيه هوغو أفييرو انحرف باتجاه الإدمان بعد عمله مع أبيه، معتقدًا أن كلّ البنّائين يجب أن يفرطوا في شرب الكحول كما فعل الأب ومات في الـ 53 من عمره، لكنّه فجأة استطاع أن يعي خطر الدرك الذي يهوي إليه، وعاد لصوابه فتلقّفه رونالدو وأخذ بيده وصنع منه رجل أعمال ناجحًا.
الوثائقي يفسح حصة وافرة من وقته لخورخي مينديز مدير أعمال كريستيانو السابق، ومهندس نجاحاته الباهرة، الذي انفصل عنه أخيرًا بعد لقاء CR7 الشهير مع المذيع المعروف بيرس مورغان وتسبب في فسخ عقده مع مانشستر يونايتد ثم انضمامه أخيرًا إلى نادي النصر السعودي بأكبر صفقة للاعب "فوتبول" في التاريخ! مينديز شخصية كاريزماتية متقّدة يمضي ساعات يومه على الهاتف كما يقول عن نفسه، سيلقي خطابًا عاطفيًّا في أمسية حميمة تسيّجها أجواء احتفال عائلية ليقول لكريس بأنه يقاتل من أجله كل يوم، ولو كان الأمر متعلّقًا بقيمة كريستيانو فكان على خورخي أن يبذل أضعاف ما ينجزه! هو نفسه الذي تداولت عنه مؤخرًا بعض التقارير الصحافية موضحة أنه انفصل عن رونالدو بمشكلة عويصة بعد أن اتهمه بجنون العظمة!
الشريط ينطلق من لقب الميرينغي العاشر لدوري أبطال أوروبا، بعد أمسية مسبوكة على قالب الدراما العالية، عندما وصلت الدقيقة الأخيرة وأتلتيكو مدريد متقدمًا بهدف وحيد لتنقذ رأسية راموس الموقف، ومن ثم يحسمها الريال بأريحيته في الشوطين الإضافيين، ويحصد لقبًا نسج بينه وبين النادي الأبيض قصة عشق مذهلة! كما أنه يركز على سر ابنه البكر الذي يجهل العالم مَن هي والدته، ويحكي صراحةً كيف سيخبره ذات كل ما حصل. ثم يتكئ الشريط على سر التنافس بين رونالدو وميسي وكيف حصل الأوّل على أول كرة ذهبية سنة 2008 ثم استفرد بها الثاني 4 سنوات متتالية، لدرجة قال البرتغالي حرفيًا: «لن أعود مرّة ثانية إلى هنا» لكنه عاد ليحصدها تباعًا، ويحظى بنظرات الغيرة الممزوجة بالإعجاب من ميسي نفسه بقاعة مزدحمة بالنجوم. هكذا، مرّ الفيلم على العلاقة بين أشهر نجمين متنافسين عرفتهما مستديرة السحر! ثم ترك فرصة لوالدته لتقول ما يقوله عادةً الأبناء عن أمهاتهم: "كل ما حصدته مدينة به لهذا الابن البار".
بكل الأحوال، الشريط يبدو اليوم بعد مضي كل تلك السنين، بمثابة بنية تأسيسية ومدماك صلب، يمكن البناء عليه خاصة بعدما تباينت أيام رونالدو وراحت تغزل تفاصيلها بسنارة الدراما الساطعة! البطل الذي هجر مدريد؛ فهجره المجد نسبيًّا ووصل ليوفنتوس ثم عاد لليونايتد وهو بأسوأ أحواله، ومن ثم اصطدم مع تين هاغ وخرج عن صمته بلقائه الشهير مع مورغان، تلت ذلك دموعه المؤثرة في موندياله الأخير، بعد إقصائه على يد منتخب المغرب العربي، وتوقيعه مع نادٍ سعودي وسط اهتمام عالمي بليغ بيومياته وحال الدوري في بلاد الحجاز!
كل تلك المعطيات وغيرها، على رأسها خلافه الحاد مع مدير أعماله الذي كان بمثابة عراب مهني له، تصلح لأن تكون مادة وثائقية جديدة تكمّل ما أنجزه المخرج البريطاني عنه سنة 2015 فحتى شريكته جورجينا رودريغيز كانت محط اهتمام إعلامي واسع وأنجزت عنها شبكة نتفليكس مؤخرًا سلسلة بعنوان : "أنا جورجينا"، حكت فيها كيف صنع الحظ امرأة عادية، وانتقلت من بائعة بسيطة في متجر غوتشي، لسيدة أعمال تقتني أهم ماركات العالم، وتظهر بها على السجاد الأحمر في أعرق المحافل العالمية بفضل الدون!
بكلّ الأحوال قد تكون صفحة رونالدو لاعبًا قد مالت نحو طيتّها الأخيرة، إلا إذا أعير إلى نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، وصنع هناك قيمة مضافة إلى مجده المحفور في وجدان الجمهور، لكن الرجل بمعظم ظروفه يبقى مرجعًا أكيدًا لكل من يريد أن يصوغ نجاحًا، وملهمًا صريحًا لمن تسوّل له نفسه بالتميّز، ليس في كرة القدم فحسب، بل في كل شيء. اجتهاده في التمرين، و مواظبته على الجهد، والقسوة بحق نفسه رغم امتلاكه مقوّمات الحياة المترفة بالسعادة، لم تجعله يركن يومًا إلى الاستمتاع بالكسل، وكأنه يعيد تدوير ما قاله الكاتب الأوروغواياني الكبير إدواردو غاليانو في حديثه عن نجومية كرة القدم: "كلّما نال شهرة كبرى، وكسب أمولًا أكثر، سيصبح أسيرًا أكثر.
إنه يخضع لانضباط عسكري صارم، ويعاني كل يوم عقوبة التدريب القاسية (..) قد يشيخ لاعب الكرة قبل الثلاثين أيضًا (..) ليكتشف في صباح يوم أنه قامر بحياته وأن الشهرة قد تبخّرت. الشهرة سيدة محترمة مراوغة لم تترك حتى رسالة عزاء صغيرة!