كارلو أنشيلوتي.. ارحم عزيز قوم ذل!
من سوء حظ ليفربول وشرّ عمله أن القدر يرمي في طريقه الأوروبي دائمًا فريقًا جبارًا متمرسًا على الأمسيات الأوروبية التاريخية مثل ريال مدريد، ومن سوء طالع يورغن كلوب أن (عفريت) كارلو أنشيلوتي يظهر له من القمقم فجأةً، فينسف كل خطط الرجوع والعودة.
ألّا يكفيك يا كارلو أنشيلوتي تمثيل وتنكيل بجثة ليفربول في دوري أبطال أوروبا؟!
لقد انتقمت من هزيمة الليفر لفريقك "آي سي ميلان" في نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2005 في إسطنبول مثنى وثلاث ورباع، فما حاجتك إلى إذلال عزيز قوم الإنجليز (ليفربول) في معقله الحصين أنفيلد رود بخماسية قاسية تساوي في تلافيف ذاكرة الليفربوليين مليون انتقام؟!
قبل 17 عامًا، لم يصدق كارلو أنشيلوتي، أن فريق ميلان الذي أنهى الشوط الأول من موقعة إسطنبول التاريخية متفوقًا بثلاثة أهداف دون رد، سيهرم ويذوب ويسترخي ليستقبل مرماه في ظرف عشر دقائق من الشوط الثاني ثلاثة أهداف حمراء دراماتيكية، قبل أن يحسم ليفربول نهائي إسطنبول الخالد بركلات الترجيح.
أقسم كارلو أنشيلوتي ليلتها أنه لم يعِشْ كابوسًا في حياته لاعبًا ومدربًا مثل كابوس ليلة إسطنبول، الذي لا يزال يقض مضجعه رغم الانتصارات الساحقة الماحقة التي جرعها لليفربول في نفس المسابقة، بينها بالطبع الفوز بنهائيين أوروبيين عام 2007 مع الميلان، والعام الفارط مع ريال مدريد.
مجرم كروي أنت يا كارلو عندما يتحول حقدك الدفين على ليفربول إلى مسلسل دامٍ طويل من انتقام رهيب لا يراعي أصول الضيافة، ولا يبدي ذرة رحمة تجاه جمهور يبكي خلف ليفربول بنشيده الجنائزي المعتاد: لن تمشي وحيدًا.
فظيع ما فعلته يا كارلو بليفربول في أمسية الثلاثاء المجنونة، فلا أحد بعد تلك الليلة سيغفر لك أو يسامحك على ما عاثه فريقك بليفربول من إذلال وإهانة في قلب أنفيلد رود.
تقريبًا عاش كارلو أنشيلوتي بعضًا من أنفاس نهائي إسطنبول التاريخي مع تغيير طفيف في بعض التفاصيل، لقد باغت ليفربول غريمه الملكي بهدفين خاطفين عبر داروين نونيز ومحمد صلاح، فظن كل مشجع ليفربولي أن (الريدز) أمام فرصة سانحة لتصفية حساباته السابقة مع (الميرينغي).
لكن ومضة عبقرية هاربة من تراث وأمجاد كريستيانو رونالدو، تمكن الساحر السريع فينيسيوس جونيور من تقليل الفارق، ولم يكن يدر بخلد يورغن كلوب مدرب الليفر أن هذا الهدف السينمائي مجرد بداية لطوفان أبيض سيدمر كل قواعد ليفربول بلا رحمة.
وكما أخطأ العملاق تيبو كورتوا أمام محمد صلاح في حدث نادر من هذا الحارس الصارم سيأخذ بعد ذلك طابع "بيضة الديك"، يخطئ حارس الليفر أليسون بيكر ويهدي بدوره فينيسيوس هدفًا يمكنك أن تستلقي على ظهرك ضاحكًا من فرط سذاجته.
لا أحد يدري ماذا دار في غرف الملابس بين المدربين واللاعبين؟ لكن المؤكد أن كارلو أنشيلوتي بخبرته الطويلة وثعلبيته الماكرة أسدى الكثير من النصائح التكتيكية لأجل مداهمة خط دفاع ليفربول الهش والمترهل والمفكك المبتغى والمحتوى.
ولا أحد أيضًا يعلم ماذا قال يورغن كلوب للاعبيه وقد تسرب الشك إلى قلوبهم؟ غير أن الفيزيائي الألماني أساء تقدير الموقف تمامًا، لذا ظهر التراخي واضحًا على أداء اللاعبين، فكان على ليفربول دفع الثمن فورًا عدًّا ونقدًا، قبل أن تأتي الوصفة السحرية للفنان كريم بنزيما وإيدر ميليتاو ثلاثة أهداف قبل ووسط وبعد الأكل.
الهزائم في كرة القدم أشكال وألوان، منها الهزيمة المتوقعة والهزيمة المُشرّفة و الهزيمة الماحقة، تُرى في أي خانة يمكن ليورغن كلوب وضع خسارته في معقله أمام كارلو أنشيلوتي؟
عندما يقول كلوب بوجه ممتقع هربت منه كل الدماء:
"لا أدري ماذا حدث لفريقي في الشوط الثاني؟! كان العمق الدفاعي متنافرًا، ولم يستطع الوسط التماسك أمام "كونتر أتاك" ريال مدريد، لقد كان لاعبو الريال سريعين للغاية"، فبدوري أسأله:
وأين كنت؟! لماذا جلست تتفرج على طبختك المحروقة دون تدخل؟
مثل هذا الكلام لا يجب أن يصدر من مدرب كبير يُفترض أنه قارئ جيد للخصم، فبالمنطق، ريال مدريد يلعب دائمًا على التحولات الهجومية وعلى المساحات، ولقد كان يورغن كلوب ساذجًا عندما اعتنق مبدأ الاندفاع الهجومي دون بصيرة ودون صلابة في الوسط، وهو أمر جعل ليفربول يبدو عاريًا تمامًا ودون حلول، والنتيجة أن منسوب هشاشة عمقه وثلثه الدفاعي قد تحوّلا إلى مساحات شاسعة تُغرّد فيها الطيور المدريدية الشرهة بلا حسيب أو رقيب.
يحاول يورغن كلوب مداواة فضيحة أنفيلد رود بصب المزيد من الملح على الجرح الليفربولي الغائر، لكنه يعلم تمامًا أن جحيمًا آخر ينتظر ليفربول في سانتياغو برنابيو، ولا أظن كارلو أنشيلوتي سيوقف مسلسل الانتقام الطويل عند هذا الحد، تمامًا مثلما أن هذا الإيطالي الكهل لن يرق قلبه لجمهور يهتف من خلفه في الليلة الليفربولية الظلماء: ارحموا عزيز قوم ذلّ..!