غابرييل جيسوس.. الأم الملهمة وسرّ الاحتفال اللافت!
اللاعبون يمثّلون بأقدامهم في عرضٍ موجّهٍ إلى جمهور مدجج يصل تعداده إلى ملايين المتحمّسين، الذين يحضرونه سواء على المدرجات أو في البيوت أمام الشاشات وأرواحھم معلقة بطرف خيط؛ لكن مَن الذي يكتب النص الذي يساير بخطّ تطورّه منحى مزاج الممثّلين ومھاراتھم، وھو يعتمد في نھاية المطاف على الحظ الذي يھبّ مثل الھواء حيث يشاء؟
لھذا فإن حلّ العقدة ھو سرّ غامض على الدوام للمشاهدين والممثلين على السواء، لا في حالات الحتمية القدرية أو التورّط في الرشوة مثلاً؟! لكن السؤال الأعمق: تُرى كم من المسارح يوجد في محافل كرة القدم العظيمة؟! ثم هل يمكن إحصاء عدد المَشاهد التي تحبس الأنفاس وقد جسّدت على العشب الأخضر؟!
تلك حفنة عابرة من هواجس الكاتب الأوروغواياني إدواردو غاليانو في كتابه ذائع الصيت «كرة القدم في الشمس والظلّ» ربما فات على صاحب الروايات الخالدة قصص مؤثرة وروايات بليغة عن نجوم وصلوا ذروة المجد والشهرة والمال والحضور، بعدما كان يهتك الفقر بأرواحهم، وتصفع الحياة بأبوابها القاسية في وجوههم الغضة وهم أطفال!
لعلّ اللاعب البرازيلي الشهير الذي انتقل من مانشستر سيتي إلى أرسنال، غابرييل جيسوس، الذي حفر بأقدامه إسفلت شوارع حي غارديم بيري في ساو باولو، منتميًا إلى منطق ذهبي سائد في بلاد يلعب فيها كرة القدم عشرةُ ملايين طفل؛ لكن في الشوارع والأزقة والحارات! فإذا أراد أحد الأندية أن يبحث عن موهبة واعدة ارتاد كشّافوه الأزقّة الفقيرة! حتى إنّ الجوهرة السوداء بيليه توقّف ذات مرّة في أحد شوارع ساو باولو يشاهد طفلًا يلعب، فذكّره أحد الأطفال بنفسه عندما كان طفلًا، فحمله في سيارته مع أبويه نحو أحد الملاعب الكبرى, ليتعاقد الطفل الموهوب مع أحد الأندية! المشهد ذاته تكرر مع جيسوس؛ لكن لم يكن مكتشفه بيليه، إنما أحد الكشّافين الذي التقط موهبته، فانتقل به من الشارع إلى نادي بالميراس البرازيلي لتشعّ موهبته المتّقدة من هناك!
طبعًا، كل نجوم كرة القدم اللاتينية "أولاد شوارع"، ويشرفهم ذلك، ما دام ملهمهم الآسر بيليه قد سار حافيًا، وارتدى جوالات القمح في طفولته المسحوقة، ثم عاش ليحفر بعمق مهول ذاكرة أجيال متعاقبة!
وبالعودة إلى جيسوس الذي انتقل لاحقًا من النادي المحلي إلى مانشستر سيتي الإنجليزي وراح يسجّل الأهداف، ويحتفل بطريقة المشهد الدرامي الذي يبعث فضول المشاهدين على التأويل عندما يمثّل بأنه يجري اتصالًا بيديه، فكانت الرواية الأحبّ إلى الجمهور لترجمة احتفاله أنه كان عامل نظافة وكان يحب فتاة رفضت إعطاءه رقم هاتفها، وعندما اشتهر صارت تتصل به، فلا يرد، ومن ثم عُدِّلت القصّة قليلًا، لتصبح مرتبطةً بصديقته القديمة التي تركته عندما كان في بالميراس، وعادت لتتصل به بعد انضمامه إلى السيتي؛ لكنّه فضّل عدم الرد، وراح يبعث إليها برسائل بعد كلّ هدف؟!
لكنّ القصّة ليست صحيحة، فالاحتفال بدأ منذ مباراة البرازيل وفنزويلا، وتأكّد غياب نيمار؛ فاتصلت والدة جيسوس بنجلها لترفع معنوياته، وتخبره بأنه مفتاح البلاد إلى النصر, وبالفعل سجّل يومها؛ ليبعث برسالة إلى أمّه من خلال احتفاله بإشارة الهاتف الذي كان بمثابة دفقة دعم معنوية هائلة، ثم تحوّلت إلى احتفال دائم، علمًا بأنّ الأم هي ملهمته ورفيقة دربه وسيّدته التي يجلّها كما لا يفعل مع أحد لدرجة أنّ حسابه البنكي شبه خاوٍ، باستثناء مصروفه الشخصي إذ تتولى الوالدة إدارة كلّ الأموال، حسب التقارير الصحفية.
فيما أجرت مداخلة هاتفية ذات مرة على لقاء تليفزيوني، كان ابنها ضيفه، لتشتكي من عدد التسلّلات التي يقع بها النجم الحالي لفريق أرسنال.
العلاقة التي تجمع هذه السيدة بابنها تستحق سلسلة درامية تبدأ باللحظة التي انتقل فيها الطفل من الشارع إلى الملعب المحترف، ولا تنتهي بتعبيرها العلني عن سهولة وقوعه في التسلل، دون أن تغفل هذه السلسلة الدرامية المفترضة تلك اللحظة الفاصلة التي ألهمته فيها الأم بطريقة احتفاله اللافتة التي فتحت الباب على الكثير من القصص المتخيلة!