غابت الكرة وحضر التضامن!
اهتزت القلوب من مكانها في كل أنحاء العالم لما جرى لأهلنا في المغرب من آثار الزلزال المدمر، كما دمعت الأعين على ما حدث في مدينة درنة الليبية من كارثة العاصفة؛ لكن الحزن لا يغني عن العمل وعن الاعتراف بقدراتنا المجتمعية، أو ما أُسميه بدبلوماسية الكوارث، وعن التعلم من دروس الكوارث استعداداً لما قد يحدث في المستقبل.
ليس لديّ شك في أن كل دولة على حدة ترى أنها قادرة على المساعدة سواء كانت الكارثة داخل البلد أو خارجه، والرياضة بوصفها عِلمًا لا تختلف عن العلوم الإنسانية الأخرى من ناحية ارتباطها بالنظريات العلمية، التي تسهم في تطورها وتجويد عملها.
ومن قواعد الرياضة الأساسية التشبع بالوطنية والمواطنة، وهكذا وقف لاعبو المنتخبات الأوروبية دقيقة صمت قبل انطلاق مبارياتهم الرسمية والودية؛ حدادًا على ضحايا إعصار ليبيا وزلزال المغرب اللذين أوديا بحياة آلاف الأشخاص، في وقت واست فيه عشرات الأندية الأوروبية ليبيا وقدمت التعازي وعبرت عن تضامنها، لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أبدت كل أندية العالم تعاطفها لهذه الكوارث، الشيء الذي يستكشف جوانب مختلفة من عالم كرة القدم وتأثيرها في المجتمعات والثقافات.
فتأثير كرة القدم أسهم في توحيد المجتمعات والتعبير عن الهوية الوطنية، فكُرة القدم بوصفها وسيلة للتواصل والتفاعل بين ثقافات مختلفة، أكدت من جديد أن ما تفرقه السياسة تجمعه الرياضة، فمعظم الفرق الأوروبية والعربية والأفريقية والعالمية والبطولات المحلية والاتحادات الكروية عبرت عن تضامنها مع المغرب، وقدمت التعازي لأهالي الضحايا وتمنت الشفاء العاجل للجرحى.
بعيداً عن لحظات الفرح والسعادة، التي تعودنا أن يمنحها الفريق الوطني المغربي لكرة القدم، بكثير من السخاء والوفاء لجماهيره العريضة، سواء بالمباريات الرسمية أو الإعدادية، كان الموعد هذه المرة مختلفًا تمامًا.
ففي أجواء من الحزن والأسى، تتقاسمها كل فئات الشعب المغربي، سواء بالداخل والخارج، بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب إقليم الحوز، والمدن ومختلف المناطق المجاورة، خاضت العناصر الوطنية مباراة ودية ضد منتخب بوركينا فاسو بمدينة لانس الفرنسية.
لكن هذا اللقاء كان محطة تضامن رائع يؤكد الالتحام بين أبناء جلدتنا بالمهجر والتضامن المطلق مع إخوانهم في المغرب، ما شدني كثيرًا هي تلك الروح المواطنة لكل لاعبي المنتخب المغربي فبعد عملية التبرع بالدم -أغلى شيء في الإنسان- بدأت سلسلة من التبرعات الذاتية بكل حب وتلقائية و"بدون شوفينية"، حققت إذن العناصر الوطنية انتصارًا على بوركينا فاسو، يمكن اعتباره معنويًا بالدرجة الأولى، بل انتصارًا للحياة وتشبثًا بالأمل، واستشرافًا للمستقبل بعيون أكثر تفاؤلًا، وثقة أكثر في إمكانيات شعب عظيم، يقدم بالاستمرار دروسًا بليغة، في الوفاء والتضامن والواجب الإنساني.
وغرّد اللاعب أشرف حكيمي، قائلاً: "في هذا الوقت الأولوية أن تعطي الدم للناس الذين في حالات حرجة، التبرع بالدم مسؤولية الجميع لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، مساعدتكم ضرورية". وعلّق الحساب الرسمي للدوري الفرنسي على فعل حكيمي، قائلاً: "الوطن قبل كل شيء".
ووصف الدولي المغربي عبد الرزاق حمد الله، "التضامن الذي أظهره عناصر المنتخب الوطني المغربي مع ضحايا الزلزال بالوضع العادي والطبيعي والذي يجب أن يكون في مثل هذه الكوارث، وبأن مظاهر التضامن التي أظهرها ورفاقه مع ضحايا الزلزال بمنطقة الحوز هي أقل شيء يمكن القيام به في هذه المحنة".
أما رومان سايس، عميد المنتخب المغربي، فأكد أن عناصر المنتخب الوطني المغربي كان همهم الوحيد خلال مباراة بوركينا فاسو تمرير العديد من الرسائل منها استمرار دعمهم لإخوانهم من ضحايا الزلزال ويصعب الحديث في مثل هذه الظروف عن الفرح أو ما شابه، الشعب المغربي يعيش وقتًا عصيبًا".
حملة تضامن واسعة وتعاطف كبير، يعبر عنها مؤسسات وتنظيمات وشخصيات رياضية، ولاعبون دوليون، مع المغرب في هذا المصاب الجلل.
هناك من عبر عن تضامنه من خلال عبارات ورسائل مواساة، وهناك من بعث بمساعدات غذائية وطبية وتجهيزات وجند أطقمًا طبية وأُطرًا من مختلف التخصصات، كمساهمة إنسانية أمام هول الخسائر التي أسفر عنها هذا الزلزال المدمر، والذي خلف خسائر فادحة في الأرواح، وهدم المنازل والطرق والقناطر وغيرها من المرافق الحيوية.
هناك أيضًا حملات تضامن دولية واسعة عبر عنها رؤساء أندية أوروبية كبيرة، ونجوم كرة القدم العالمية من مختلف الجنسيات، سواء عن طريق بعث رسائل معبرة أو تقديم فيديوهات متضمنة لكل عبارات المؤازرة والتضامن والمواساة، والاستعداد للقيام بأي خطوة في سبيل دعم المجهود الذي يبذل بجل المناطق المتضررة، وقد عبر العديد من الشخصيات عن تعازيهم في هذا المصاب الجلل عبر "winwin".
ننتظر أن تتواصل هذه الحملة التي هي بمثابة بعد وطني، خاصة من نجوم الرياضة الوطنية، وفي المقدمة محترفو كرة القدم بمختلف الدوريات الأوروبية والخليج العربي؛ فالظروف الصعبة التي تمر فيها بلادنا، تتطلب المساهمة المادية عبر صندوق خاصة تحت إشراف السلطات العمومية، من أجل دعم الأسر وإعمار المناطق المنكوبة من فتح الطرق وإصلاح المنازل والمدارس والمستشفيات، ومختلف المرافق التي تتطلبها الحياة اليومية.
إنها دعوة صادقة بروح وطنية عالية، توجه الآن لنجوم كرة القدم الوطنية؛ فالشعب الذي افتخر بأداء المونديال وتغنى بالإنجازات الباهرة، يتغنى بهم اليوم بما تقدمه العناصر من دعم مادي في صمت وبدون بهرجة.
آخر الكلام.. أكبر قوة تضامنية أسرية وشعبية لدى العرب هي ما تميزهم عن باقي الشعوب.