على خطى الأساطير.. كيف غيّر تشافي وجه برشلونة في 134 يوماً؟
فقد برشلونة هويته بشكل تدريجي منذ أن غادر "الفيلسوف" بيب غوارديولا دفة القيادة الفنية، وعلى الرغم من الظفر بالعديد من الألقاب المحلية، لم يحظَ النادي الكاتالوني بقائد يمكن الوثوق به، على غرار ما فعله أساطير التدريب ميتشيلز وكرويف ثم غوارديولا.
وباستثناء الموسم الممتاز الذي نجح فيه لويس أنريكي في قيادة برشلونة لخماسية تاريخية 2015/2014، ظلت الجماهير تبحث عن مدرب يمكن أن يعيد "التقاليد" التي أنشأها كرويف وطورها غوارديولا، والتي تجمع بين الأداء والنتائج.
ومنذ جلوسه على مقعد المدير الفني لبرشلونة في 6 نوفمبر/ تشرين ثان 2021، وصولا إلى 20 مارس/ آذار 2022، تاريخ "الأوركسترا" الفنية التي قدمها برشلونة في قلب "سانتياغو برنابيو" والفوز برباعية نظيفة على الغريم التقليدي ريال مدريد في "كلاسيكو الأرض"، نجح تشافي هيرنانديز في تغيير وجه الكتيبة الكتالونية خلال 134 يوما فقط.
وصل أحد أساطير النادي الكتالوني عبر تاريخه إلى "كامب نو" في الجولة الـ14 من الدوري الإسباني، وكان الفريق حينها يقبع في المركز التاسع، وبعيدا جدا عن مقاعد التأهل لدوري أبطال أوروبا، ولا يقدم الأداء الذي يشفع له حتى بالهروب من مناطق الهبوط على سلم ترتيب الليغا.
لكن لم تمر 4 أشهر ونصف، حتى صار البرسا فريقا لا يكتفي بالمشاركة في صراع المربع الذهبي فحسب، بل يقف أيضا على بُعد 3 نقاط من الوصيف إشبيلية (مع احتفاظه بمباراة أقل من الفريق الأندلسي)، ورغم توديعه مبكرا دوري الأبطال من مرحلة المجموعات، فقد بات المرشح الأبرز للظفر بلقب الدوري الأوروبي "يوروبا ليغ".
ويتمثل الجانب الأبرز في تحسن "البلوغرانا" مع تشافي في الاستمرارية؛ إذ فاز الفريق في 11 مباراة وتعادل في 4 وخسر واحدة فقط، وسجل لاعبوه 37 هدفا، مقابل 14 هدفا اهتزت بها شباكه.
هوية لا يمكن التخلي عنها
من الصعب جدا ألّا تسمع تشافي هيرنانديز وهو يردد في أي مؤتمر صحفي كلمات مثل "نموذج" أو "طريقة لعب" أو "اللعب على الاستحواذ"، فهو يتحدث دائما عن كرة قدم يصر فيها الفريق على أن يكون وفيا لـ"هويته"، من خلال الضغط العالي المتقدم، والبحث عن المساحات بين الخطوط، فضلا عن الاستحواذ على الكرة.
ولم تكن مهمة استعادة الهوية التي صنعها الأسطورة الهولندي الراحل يوهان كرويف، واستنسخها بيب غوارديولا، سهلة على الإطلاق؛ إذ تفاجأ تشافي خلال أسابيعه الأولى مدربا للفريق بالتراجع التكتيكي الذي ضرب الفريق آنذاك، ليستغرق منه الأمر بعض الوقت ثم بدأ الفريق بالتحسن.
وجاءت موقعة مدريد لتؤكد أن اللاعبين قد فهموا أسلوب مدربهم الذي كان سببا في النجاحات التي حققها الفريق في العقود الثلاثة الأخيرة، وتأكد للجميع أن البارسا قد استعاد بالفعل أسلوب الـ"Tiki-Taka" المعهود.
مزيج من لاعبي الشباب والخبرة
عندما قرر تشافي قبول عرض الرئيس جوان لابورتا، لم يخف علاقة "الصداقة" التي تربطه باللاعبين الكبار وزملائه السابقين في الملعب؛ مثل سرجيو بوسكيتس، وجيرارد بيكيه، وجوردي ألبا، وسيرجي روبيرتو، ومارك أندريه تير شتيغن.
ولم يلجأ تشافي إلى "التضحية" بأي من الحرس القديم، ووضع أيضا ثقته في العناصر الشابة التي تمثل مستقبل الفريق؛ مثل بيدري، ورونالد أراوخو، وحتى الشاب اليافع غافي.
ومع انتقال طاقة الشباب المتفجرة التي افتقرت إلى خبرة الفوز بالألقاب والمواعيد الكبرى، نجح الكبار في إعادة البسمة إلى وجوه الجماهير الكتالونية، والتي غابت بسبب الإخفاقات المتتالية خلال السنوات الأخيرة أمام يوفنتوس وروما وليفربول وبايرن ميونيخ وباريس سان جيرمان، والتي مثلت خيبات أمل كبيرة للفريق في دوري أبطال أوروبا.
تدعيمات الميركاتو الشتوي
لا يمكن إغفال دور الصفقات الجديدة، التي دعّم بها الفريق الكتالوني صفوفه في الميركاتو الشتوي الأخير، في الطفرة الفنية التي أحدثها تشافي في الفريق، إذ لم تمنع أزمة الرواتب التي عانى منها الفريق الأول بسبب تداعيات تفشي جائحة كورونا، رئيس النادي لابورتا من دخول سباق سوق الانتقالات الشتوية بقوة لدعم الخيارات الفنية لتشافي.
وأنفقت إدارة النادي الكتالوني نحو 55 مليون يورو، بالإضافة للمتغيرات، من أجل جلب الجناح الهجومي الواعد فيران توريس من مانشستر سيتي الإنجليزي، لينضم إلى النجم أداما تراوري القادم من وولفرهامبتون الإنجليزي على سبيل الإعارة، والنجمين الكبيرين؛ البرازيلي داني ألفيش، والغابوني بيير إيمريك أوباميانغ، في صفقتي انتقال حر.
وعلى الرغم من الإضافة التي قدمها هؤلاء، فقد فاجأ أوباميانغ الجميع وأثبت أنه صفقة رابحة، رغم الطريقة التي رحل بها عن أرسنال بسبب خلافات مع المدرب الإسباني ميكيل أرتيتا، ولكنه سرعان ما عبر عن قدراته التهديفية، ليسجل 9 أهداف في 11 مباراة مع الفريق، منها الثنائية التي قادت برشلونة للفوز الكبير 4-0 على ريال مدريد.
ومنذ وصول الدعم الشتوي، سجل برشلونة 40 هدفا في 17 مباراة خاضها هذا العام، بمعدل 2.3 هدفا في كل مباراة، مقارنة بمعدل النصف الأول من الموسم والذي توقف عند 1.2 هدفا في المباراة.
والآن باتت جماهير برشلونة تحلم بعودة كاملة للقوة الضاربة التي يمكن أن تستعيد بها سيطرتها المحلية والأوروبية، إن لم يكن هذا الموسم، فسيكون في الموسم المقبل الذي قد يشهد تعزيزات أكبر للقائمة التي ستكون تحت قيادة تشافي.