شغب الجماهير في تونس.. من المسؤول؟ وما الحلول؟

تاريخ النشر:
2023-02-17 17:45
-
آخر تعديل:
2023-02-18 00:10
أرشيفية- مشهد من شغب الجماهير في الملاعب التونسية (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

بقلم- أحمد درعي

أن تذهب إلى الملعب لتُشجّع فريقك من قلب الحدث أو تُرفّه عن نفسك، فلا بُدّ أن تُفكّر كثيرًا وتحسب للأمر ألف حساب، إذا ما تعلّق الأمر بالملاعب التونسيّة، لأنّك قد تجد نفسك فجأة وسط معمعة العنف والشغب في المُدرجات، وقد تتحوّل فُسحتك وشغفك إلى كابوس حقيقي.

باتت ظاهرة العنف والشغب سمة مميّزة للمُدرجات التونسية في السنوات الأخيرة، وصارت تتنامى أكثر من موسم إلى آخر، في ظلّ بقاء الإجابة عن الكثير من الأسئلة مُبهمة، بخصوص المسؤول عن تفاقم هذه الظاهرة، أوالطرق التي يمكن أن تحد من النزيف.

من المسؤول؟

رغم أنّ الأمور قد وصلت إلى درجة مُثيرة للقلق في الوسط الرياضي وحتى خارجه، وكوارث العنف والشغب فادحة في المدرّجات من أسبوع إلى آخر في شتّى الملاعب التونسيّة وفي جميع الأقسام، فإنّ جميع الأطراف المُتداخلة ما زالت إلى يومنا تكيل التُهم لبعضها بعضًا، وكل طرف يحاول التملّص من المسؤوليّة والإلقاء بها على الطرف الآخر.

الجماهير وهي الطرف الرئيسي في الأمر، دائمًا تتملص من مسؤوليّة الشغب، وتلقي بها على أطراف أخرى، إذ يعتقد الكثير من مُنخرطي "مجموعات الالتراس"، مثلًا، أنّ عناصر الأمن هم المسؤولون عن تنامي ظاهرة الشغب في الملاعب، وذلك من خلال استعمالهم للقوّة المُفرطة ولأساليب استفزازيّة عند بوّابات الدخول إلى الملاعب.

أمّا موقف الأمن فقد جاء للتفنيد ولعكس الاتّهام، إذ يرى الكثير من الأمنيين أنّ جماهير كرة القدم صارت تدخل الملاعب، وتتعمّد إحداث البلبلة والاعتداء على عناصر الأمن عن سبق إصرار وترصّد، وما أسلوب القوّة المُعتمد إلاّ في إطار الدفاع عن النفس.

السُلطات التونسيّة التي وجدت نفسها عاجزة أمام هذه الظاهرة، اختارت أن تجد مخرجًا آخر في خطابها الرسمي، بحيث تتجنّب الصدام مع الجماهير والتجريح في عناصر الأمن، فما كان منها إلاّ أن وجّهت الاتّهامات لمن وصفتهم بـ"العصابات" التي ليس لها علاقة بالرياضة، بل هي فئة مأجورة تتعمّد التخريب وتأليب الأوضاع في الملاعب وفي البلاد بصفة عامّة.

الأندية بدورها، لم تجد مخرجًا من المأزق الذي وقعت فيه، فقد وجدت نفسها بين المطرقة والسندان، إذ إنّها تُدرك جيّدًا أهميّة المداخيل الماليّة التي تُحصد من الجماهير ودخولها إلى الملاعب، لكنّها أيضًا، تجد نفسها ضحيّة الكثير من الغرامات الماليّة التي تُثقل كاهلها، والتي تسبب فيها شغب الجماهير ذاتها، ورغم أنّ مواقف الأندية دائمًا كانت في صفّ الجماهير على مُستوى التصريحات وغيرها، فإنّ الإدانة أو تحميل المسؤولية لطرف مُعيّن، قد غاب عن المواقف الرسمية.

ما الحلول؟

كم من اجتماع عُقد في أروقة الوزارات، وكم من منصّة إعلاميّة نصبت حلقاتها، وكم من خبير أدلى بدلوه ... إلخ، والكلّ يحاول أن يقترح الحلول لظاهرة الشغب في المدرجات من منظوره، لكن، ممّا لا شكّ فيه أن الكثير من المقاربات التي تمّ العمل بها منذ سنوات قد أثبتت فشلها، ومواصلة العمل بها هو من باب العبث لا أكثر.

فالمقاربة الأمنية، مثلًا، لم تعد صالحة للحدّ من ظاهرة الشغب، وقد أثبتت فشلها منذ سنوات، مثلها مثل العقوبات الماليّة التي تُفرض على الأندية وتُثقل كاهلها، دون أن يكون لهذه الأندية أي دخل في أحداث الشغب.

في إطار البحث عن حلول للحدّ من ظاهرة العنف والشغب في الملاعب، تجنّد الكثير من الخبراء التونسيين في السنوات الأخيرة، واتّفق أغلبهم حول حلّ "التوعية"، أي المزيد من توعية الجماهير في علاقتها بالأمن وفي علاقتها بالملعب والفضاء الرياضي، لكنّ هذا الأمر يبقى رهين "الوحدة الجماهيرية" فالانقسام والتشتّت.

إذ نجد جماهير فريق واحد تنقسم بدورها إلى مجموعات، وهو عائق رئيسي أمام توعية الجماهير والتعامل معها، وبالنظر إلى التجربة المغربيّة في "وحدة المجموعات" تحت مُسمّى واحد، نجد أنّ هذا الحلّ قد يكون فعّالًا بدرجة ما، إذا ما تمّ الاستعانة به في تونس.

هناك من نحا نحو تجهيز الملاعب بتجهيزات متطوّرة تُمكّن من الحدّ من ظاهرة الشغب، أو التعرّف وتحديد العناصر التي قامت به، باستعمال "كاميرا المُراقبة" مثلًا، وهذا الحلّ وإن كان فعّالًا بدرجة كبيرة، وأثبت جدواته في الملاعب العالمية الكُبرى، فإنّ تطبيقه في تونس يبقى صعبًا إن لم نقل مُستحيلًا، نظرًا لتواضع الإمكانات الماديّة وعجزها أمام توفير التجهيزات المُتطوّرة في كلّ الملاعب والقاعات الرياضيّة في كامل أرجاء البلاد التونسيّة.

من المعلوم أنّ ظاهرة الشغب في الملاعب، هي ظاهرة اخترقت أكبر الملاعب العالمية منذ قديم الزمان، لكن في تونس، الأمر صار يستدعي دقّ ناقوس الخطر، بما أنّها صارت ظاهرة أسبوعية في أغلب الملاعب وأغلب القاعات الرياضيّة، وصارت تُهدّد السلم الاجتماعي بدرجة كبيرة، لذلك لا بدّ على جميع الأطراف المُتداخلة أن تعمل على إيجاد الحلول للحدّ من الظاهرة، قبل أن يقع الفأس على الرأس.

شارك: