رمضان الكريم والسقوط المشين للاتحاد الفرنسي لكرة القدم!
في الوقت الذي كان ينتظر فيه الجميع أن ينسج الاتحاد الفرنسي لكرة القدم على منوال نظيريه الإنجليزي والألماني ويسمح للحكام بإيقاف المباريات لتمكين اللاعبين الصائمين من الإفطار، اتخذ المشرف الأول عن اللعبة في فرنسا قرارًا غريبًا ومفاجئًا أخطر به الحكام بعدم الوقف المؤقت للمباريات للسماح للاعبين المسلمين بالإفطار في شهر رمضان، بل وهدد أيضًا بإخضاع أي شخص ينتهك "هذه الأحكام" لإجراءات تأديبية أو جنائية.
ردود الفعل جاءت سريعةً وعريضةً، واحتدم جدل كبير في فرنسا إذ يكفيها ما تشهده من أزمات اجتماعية واقتصادية وحتى سياسية، آخرها تلك الناجمة عن "قانون التقاعد" الجديد.
بلغت درجة الاستياء والغضب والرفض التي أثارها قرار الاتحاد الكروي الفرنسي لدى غالبية منتقديه حَدَّ وصفه بالقرار "العنصري".
وهو نعت خطير لبلد يُراد له أن يكون رائدًا في مجالات الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان والتسامح والعيش المشترك، داعيًا إلى الانفتاح على الآخر وإلى احترام المعتقدات جميعها، ورافضًا لكل أشكال التمييز والتفرقة.
ألم تطلق وسائل الإعلام الفرنسية وعدد كبير من المفكرين في شهر يوليو/ تموز 1998 وصف "أسود أبيض عربي" (Black Blanc Beur) على منتخب بلادهم المتوج بمونديال 1998 معتبرين أن ذلك الفوز التاريخي دليل على نجاح التعددية الجماعية. وهو الشعار ذاته الذي يعود مجددًا إلى الذاكرة الفرنسية فترفعه الجماهير وتردده وسائل الإعلام ثانيةً لدى تتويج منتخب البلاد بمونديال 2018.
فما الذي دفع الاتحاد الفرنسي إلى منع إفطار اللاعبين الصائمين خلال المباريات المسائية؟ سؤال يتردد على الألسنة وفي وسائل التواصل الاجتماعي لكنه بقي حائرًا دون جواب رسمي من الجهات المسؤولة.
هل أن حفنة من الثواني أو حتى حفنة من الدقائق لا تتجاوز زمن شربة ماء وأكل تمرة ستؤثر في سير مباراة؟
وهل سيضطر اللاعبون للخداع وادّعاء الإصابة لكي تتوقف المباريات ويجد زملاؤهم فرصة سانحة للإفطار؟ ذلك ما قام به لاعب "فيورنتينا" الإيطالي لوكا رانييري عندما سقط أرضًا على الميدان دون أن يحتك بأحد فتوقفت المباراة وتمكن زميله المغربي سفيان أمرابط من شرب الماء وتناول موزة قبل استئناف اللعب خلال اللقاء الذي جمع فريقهما مع إنتر ميلان. الاتحاد الإيطالي لكرة القدم، الذي لم يحذُ حذو نظيره الإنجليزي بل سار على خطى الاتحاد الفرنسي، لم يعاقب اللاعب رانييري على هذا التصرف الرائع الذي حظي بإشادة واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
في تنديده بقرار الاتحاد الفرنسي نشر مستغربًا الدولي الفرنسي "لوكا دين"، لاعب نادي أستون فيلا الإنجليزي على حسابه الخاص "إنستغرام": "في 2023 يمكننا إيقاف المباراة 20 دقيقة من أجل بعض القرارات، لكن لا يمكننا إيقافها لدقيقة من أجل شرب الماء".
من جهته اعتبر الحكم الفرنسي "إلياس نصيف" قرار الاتحاد "متناقضًا"، وعلّق قائلًا إن استراحةً لمدة ثلاثين ثانيةً لن تضر أحدًا.
موجة الغضب والتنديد بقرار الاتحاد الفرنسي ستزداد حدّة بعدما استبعد مدرب "نادي نانت" الفرنسي "أنطوني كومبواريه" لاعب منتخب الجزائر الشاب "جوان حجام" من الفريق خلال اللقاء الذي جمعه مع نادي "ريمس" بسبب رفضه الإفطار وتمسكه بصوم رمضان.
كما أن هناك خشية من أن يغذي هذا الغضب المتفاقم اكتفاء رئيس اللجنة الاتحادية للحكام في الاتحاد الفرنسي لكرة القدم "إيريك بورغيني"، في رده على السخط المتزايد والتنديد اللاذع بهذا القرار، بالقول حسب ما نقلت جريدة "ليكيب" الفرنسية: "دون أن نزيد في إثارة الجدل، فإن اللاعب يُمكنه أن يشرب الماء دون إيقاف الحكم اللعب، وذلك عند القيام بالتبديلات أو توقف اللعب عند إصابة أحد اللاعبين وغير ذلك من الأسباب التي تُوقف اللعب بشكل طبيعي".
غير أن هذه الحلول البديلة التي قدّمها المسؤول الأول عن التحكيم في فرنسا لم ولن تقنع أحدًا ولم تقدم أي توضيح شافٍ عن أسباب اتخاذ هذا القرار ولن يكون بوسعها تهدئة الغضب والتنديد المتناميين.