رحل ميلان كونديرا وترك لعشّاق كرة القدم هذا الدليل!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-07-15 20:17
كرة قدم (Getty)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

أدركنا منذ زمن طويل أنه لم يعد ممكنًا قلب هذا العالم رأسًا على عقب، أو قولبته، أو منعه من المضيّ قدمًا في بؤسه. كانت ثمة مقاومة يتيمة: ألّا نأخذه على محمل الجد! 

ربما تكون هذه واحدة من النظريات التي صنعت إلى جانب منجزه الأدبي الرفيع مجدًا لا يضاهى وصيتًا ضرب أصقاع الأرض. الحديث عن الكاتب التشيكي الفرنسي الراحل ميلان كونديرا (1929 /2023)! كما جعله كلّ ذلك ملاذًا لمن يريد الغوص في عالم القراءة، وصنعت منه مثالًا يحتذى لدرجة أنه لن يكون من الظلم لو قلنا إنه فذ هذا العالم يمكن الحديث أوّلًا عن مارادونا في كرة القدم، ونيتشه في الفلسفة، وموزارت وبيتهوفن في الموسيقى، وبكل ثقة كونديرا في الرواية، طبعًا إلى جانب أسماء أخرى وليس في هذا مبالغة أو تقليل من شأن عظماء فن السرد الآخرين. 

الرجل الذي رحل خلال الأيّام الماضية ترك بصمة تصرع الموت، وتخلص لقاعدة الخلود التي برع في صياغتها سرديًا، وترك فرصة أمام المرء كي يتأمل بنفسه ويسأل ماذا سأترك ورائي بعد أن أموت؟ السؤال الوجودي الذي حرّكه كونديرا داخل كلّ فرد فينا، جعل من يمتلك حسًّا أدبيًا يفكر بمنجز يخلّد ذكراه، ومن يملك المال عساه ينحو باتجاه مشاريع اقتصادية، أما قادة الدول فستنهمك إن كانت تعمل بضمير في صناعة شعوبها وبناء أوطانها، حتى البسطاء يمكن أن ينجبوا ليستمرّ أثرهم.

منذ بزوغ فجر روايته «كائن لا تحتمل خفّته» (1984) وكشفه عن صيغة مترفة في السرد، بات كونديرا يعد من أهم الكتّاب في العالم كاملًا، لقدرته الفائقة على الرشاقة، والتنقّل السلس، وتخليص الحكاية من أيّة زيادات أو حشو، وإنجاز حالة معافاة من كل ما هو غير جوهري. كلّ ذلك في كفّة وحبّه لكرة القدم سيكون بالنسبة إلينا نحن عشّاقها في كفّة ثانية.

أما في الحديث عن بداية المشوار فإن حياته بدأت بدراسة السينما في أكاديمية فنون الأداء في براغ، شكّلت هذه الدراسة ملامح تكوينه الفني إلى جانب أنه عاش في بيت موسيقي. أصدر في البدايات مجموعات شعرية لكن ولادته ككاتب حقيقي بدأت مع مجموعته القصصية «غراميات مرحة» (1958)، ثم كان عام 1979 بمثابة مفصل محدد لا يمكن المرور عنه لمامًا عند الحديث عن حياة الرجل ومحطّاته المهمة؛ إذ سُحبت  في هذه السنة الجنسية التشيكوسلوفاكية، وحُظِرت أعماله في البلاد كاملة، وانتقل من مدينة رين الفرنسية التي استقر فيها مع زوجته فيرا عام 1975، إلى باريس ليصبح أستاذًا في الأدب المقارن في المعهد العالي للعلوم الاجتماعية، ويحضّر لرائعته الأشهر على الإطلاق «كائن لا تحتمل خفّته». 

العمل صنع منه نجمًا لا يضاهى ووسّع له مكانة فريدة ونادرة على خارطة الأدب العالمي، لتنتقل الرواية إلى السينما عبر فيلم من إخراج فيليب كوفمان وبطولة جولييت بينوش، لكن الفيلم لم يرق لكونديرا على عكس «المزحة» من إخراج ياروميلجيريش (1969).

أما آخر أعمال كونديرا المكتوبة باللغة التشيكية الأم هي «الخلود»، رغم أن أحداثها في باريس، بعدها ظهرت أعماله الفرنسية مثل «البطء» (1995)، و«الهوية» (1998)، و«الجهل» (2003)، و«حفلة التفاهة» (2014)، («الوصايا المغدورة»/ 1993 و«الستار»/ 2005 و«لقاء»/ 2009) دافع فيها عن فن الرواية، وأراد أن يكون روائيًا فقط: "أن يكون المرء روائيًا شكّل بالنسبة إليّ، أكثر من ممارسة أي نوع أدبي آخر، موقفًا وحكمة وموقعًا اجتماعيًا. موقع يستبعد كل تماثل مع السياسة والدين والإيديولوجيا والأخلاق والجماعة".

أما عن كرة القدم التي شغفته فقد صاغ أبلغ توصيف وأكثره رهافة عن اللاعبين عندما قال: "لاعبو كرة القدم نفس جمال وتراجيديا الفراشات، فتلك تطير عاليًا بمنتهى البهاء، من دون أن يُتاح لها الاستمتاع أو الإعجاب بجمال طيرانها".

وكأنه بهذه الطريقة يلتقط واحدة من أبرز سمات كرة القدم. عندما تحتدم المنافسة ويحبس الكوكب أنفاسه، يكون العالم كلّه يعيش متعة عالية عدا الفريقين اللذين تمنعهما المنافسة عن القبض على أطراف المتعة والدهشة التي يعيشها الجمهور سواء كان في الملعب أو على شاشات التلفزيون.

الوصف بمثابة مرجع أدبي، عدا عن أنه برهان دامغ من أيقونة الرواية العالمية، على أن كرة القدم يحبّها العظماء، ويحتفي بها عشاق السحر ويحترفها من يملك جمال الفراشات وموهبتها بالطيران ويقع في غرامها كلّ المحظوظين!

شارك: