دكتور "كسلا" طبيب الكرة السودانية
نادرًا ما ينجح لاعب كرة قدم في الجمع بين مداعبة المستديرة والتفوق الأكاديمي، وهذا ما حققه نجم الهلال السابق، الدكتور محمد حسين محمد أحمد، الشهير بـ”كسلا”، الذي تحوّل -بعد قرار "الرياضة الجماهيرية" وحل الأندية- إلى استئناف دراسته خارج السودان، واستقر به المقام بجامعة موسكو بالاتحاد السوفييتي لدراسة الطب، وتخرج فيها في العام 1985، ليجمع بين مهارة لاعب الكرة الماهر والطبيب الذي يداوي جراح مرضاه بكل صبر وتفان.
كما ذكرت في مقال سابق، تسبب القرار الأشهر على مستوى رياضة كرة القدم، الذي أصدره وزير الشباب والرياضة السوداني، زين العابدين محمد أحمد عبدالقادر في أبريل/ شباط 1976، في تدمير نشاط كرة القدم السودانية، أو كما وصفه الناقد الرياضي السوداني المعروف مصطفى عيدروس، بأنه "قرار غير مدروس أصدره الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، وتسبب في كتابة شهادة وفاة كرة القدم السودانية".
وكان جوهر قرار العودة إلى الرياضة الجماهيرية آنذاك “أن تمارس الرياضة داخل المناطق السكنية فقط”، وأن يجمد النشاط الرياضي في السوادن، وأن يتم تسريح اللاعبين. وتسبب القرار في هجرة عديد اللاعبين إلى دول الخليج، لاسيما من طرفي القمة الهلال والمريخ، حيث استقر في الإمارات كل من الفاضل سانتو، ومعتصم حموري، وفيصل الكوري من المريخ، ومن الهلال كل من محمد حسين كسلا، ومحجوب الضب، وعبده مصطفى، وشواطين، وخضر الكوري، وغيرهم من اللاعبين المميزين الآخرين.
حمل دكتور كسلا لقب المدينة التي نشأ بها في شرق السودان، وتلك عادة عند السودانيين في تسمية اللاعبين والمطربين بأسماء مدنهم، وهو سليل أسرة تحسب التعليم من الأولويات عندها. فوالده يعد من الرعيل الأول للمعلمين، وجده هو محمد أحمد القاضي من مشاهير مدينة كسلا، وخاله هو الشاعر الصاغ محمود أبوبكر الملقب بـ“النسر”، ومؤلف القصيدة السودانية الأشهر في مقاومة الاستعمار “صه يا كنار”.
ولد كسلا في العام الذي نال فيه السودان استقلاله 1956، وكان متعدد المواهب منذ صغره، فبالإضافة إلى نبوغه وتميزه الأكاديمي، كان مبرزًا أيضا في الأنشطة الرياضية خصوصًا كرة القدم، وقال عنه معلمه في مدرسة أروما الوسطي الأستاذ صبري: "محمد حسين بيليه في الميدان وشكسبير في الفصل".
لعب كسلا لفريق أهلي مدني ثم أهلي كسلا، ثم اختطفه نادي الهلال العاصمي في عام 1970، وكانت تلك أخصب فترات حياته، حيث حاز الأضواء بأدائه الساحر حتى أصبح أنشودة على شفاه المشجعين، وحين انتقل دكتور كسلا لفريق الهلال، وجد به نجوم وعظماء الكرة السودانية آنذاك، مثل جكسا وأمين زكي وعلي قاقرين والدحيش وغيرهم، وبعدها بوقت قليل، شارك مع فريق الهلال في أول مباراة خارجية باستاد القاهرة ضد فريق الأهلي المصري أمام 70 ألف متفرج، وأشادت به الصحف المصرية، فكان ذلك سببًا مباشرًا لشهرته، ورغم عمر كابتن كسلا القصير نسبيا -6 مواسم مع نادي الهلال- إلا أنه أحرز إنجازات كبيرة داخليًا وخارجيًا، وهكذا الحال مع الفريق القومي.
وثّق كابتن كسلا لاحقًا تجربته في كتابه “محطات في حياتي”، وهو كتاب سيرة ذاتية وتوثيق، يشتمل على 15 فصلًا ويقع في 383 صفحة من الحجم الكبير، صادر عن "مطبعة الحياة الجديدة “بالخرطوم.
كشف كابتن كسلا عن تواصل نادي النصر الإماراتي معه في روسيا، وأبدى رغبته في انضمامه إلى النادي، وحين قدم للعب للنصر وجد كابتن الفاضل سانتو قد سبقه إلى النصر، فشكلا ثنائيًا مدهشًا.
وفي آخر مباراة خارجية له مع النصر، كانت المباراة الودية ضد بطل الدوري الإنجليزي في 1982، وكان فريق ساوثهامبتون بقيادة كابتن منتخب إنجلترا آنذاك، كيفن كيغان، وأدهش كسلا الجميع بأدائه البطولي المميز في تلك المباراة، واعتزل بعدها مسيرته الاحترافية بنادي النصر، والتي امتدت من 1976 حتى 1982.
من المواقف الطريفة التي حدثت له، يحكي كسلا أنه في مايو/ أيار 1978، قام فريق النصر الإماراتي بزيارة السودان، وكنت أنا والكابتن الفاضل سانتو لاعب المريخ الدولي نلعب في صفوف النصر، في السودان لعبنا مباراة ودية ضد الهلال، وفاز النصر 2-3، وبعد المباراة كان جمهور الهلال يهتف لي ويداعبني قائلًا: عائد عائد يا كسلا، البترول طلع يا كسلا.
مسيرة كبيرة وتاريخ طويل من النجاحات سار فيه دكتور محمد حسين كسلا، ولم يبتعد عن النشاط الرياضي بعد اعتزاله على الصعيدين الإماراتي والسوداني، حيث يعمل الآن اختصاصيَ طب رياضي بالقوات المسلحة بدولة الإمارات، وعضو لجنة الاحتراف والتطوير بمجلس دبي للرياضة.