دروس تكتيكية من فوز فرنسا على إنجلترا في ربع نهائي المونديال
ضرب -حامل اللقب- المنتخب الفرنسي موعدًا مع المغرب في نصف نهائي كأس العالم قطر 2022، عندما فاز على إنجلترا سهرة السبت في ربع نهائي المسابقة بنتيجة 2-1، في المباراة التي أُقيمت أمام 69 ألف مشجّع بملعب "البيت" في الخور.
باغت المنتخب الفرنسي مبكّرًا، وسجّل عن طريق أوريلين تشواميني في الدقيقة 17 من تصويبة بعيدة المدى، في حين عادل قائد إنجلترا هاري كين الكفة في الدقيقة 54 من ركلة جزاء تحصّل عليها زميله بوكايو ساكا.
أوليفييه جيرو -الهدّاف التاريخي لفرنسا- سجّل بالرأس قبل النهاية بـ12 دقيقة، ليمنح "الديكة" مقعدًا في نصف نهائي مونديال قطر، واللافت أن هدفي المنتخب الفرنسي من صناعة المخضرم أنطوان غريزمان.
نرصد لكم عبر منصة winwin ملاحظات تكتيكية أدّت إلى فوز المنتخب الفرنسي أمام إنجلترا، وعبوره إلى نصف النهائي.
ذكاء الفرنسيين
كان المنتخب الفرنسي ذكيًا في التعامل مع مجريات المباراة، فبداية باغت وسجّل هدفًا ثم انكمش محاولًا المحافظة عليه، لكنه استقبل من ركلة جزاء. لاحقًا خرج الفرنسيون من مناطقهم للتسجيل بكل سهولة، قبل أن يعاودوا الانكماش مجددًا.
بات لاعبو فرنسا يمتلكون من الخبرة ما يمكّنهم من معرفة "متى" يتعين عليهم الاندفاع الهجومي، ومتى يغلقون زوايا التمرير، ومتى يطبقون الضغط العالي، ومتى يلجؤون إلى دفاع المنطقة.. كل هذه الأمور فعلتها فرنسا أمام إنجلترا على فترات متباعدة.
حزام الضغط المزعج
يشكّل الثلاثي (مبابي- غريزمان- ديمبيلي) خط الدفاع الأول لدى المنتخب الفرنسي، ومن هناك من ثلث الملعب الأول لدى الخصم يبدأ منتخب فرنسا عملية الضغط، لإجبار الخصم على لعب الكرات الطولية العشوائية التي يلتقطها فاران ورابيو في الوسط.
قدّم غريزمان وديمبيلي تحديدًا مباراة جيدة للغاية دفاعيًا، وقاما بأكبر عدد محاولات ضغط من بين لاعبي فرنسا.. فقد تكسّرت العديد من هجمات "الإنجليز" عند هذا الثنائي، واسترجع الكرة بواقع 6 و4 مرات تواليًا.
الريادة والثقة
بات من المألوف أن يسجّل المنتخب الفرنسي من دون إجهاد أو معاناة واضحة. مبابي وديمبيلي يقومان بعمليات الاختراق على الرواقين، وجيرو يتأهب في منطقة الجزاء، أمّا غريزمان فيقدّم الدعم الهجومي لهذا الثلاثي، ويكون بالقرب منهم دائمًا.
هذه التوليفة الهجومية الثابتة جعلت لاعبي المنتخب الفرنسي يقفون بثبات على أرض الملعب، فكل منهم يعرف دوره جيدًا. فلم تظهر فرنسا إطلاقًا في المونديال الحالي في حالة حيرة أو تشتت تكتيكي، بل على النقيض يتسم الفريق بالانسجام الفائق.
المدرب ديدييه ديشامب لم يشرك سوى بديل واحد فقط أمام إنجلترا (كينغسلي كومان في الدقيقة 79)، وأكمل المباراة بالتشكيل نفسه، ما يدل على أنه راضٍ تمامًا عن مردود اختياراته، وثقته في المجموعة الثابتة في كل مباراة.
استنزاف هاري كين
مع تراجع منتوج خط وسط إنجلترا في أغلب فترات اللقاء وانعدام إسهاماته في بناء الهجمات، خاصة مع قلة مردود الجناح الأيمن فيل فودين، اضطر المهاجم الصريح هاري كين للنزول إلى وسط الملعب كثيرًا.
توضّح الخريطة الحرارية للمباراة أن كين قضى أغلب أوقاته في منتصف الملعب محاولًا بناء الهجمات بنفسه، ما أبعده كثيرًا عن مناطق الخطورة والتمركز. هذه النقطة وإن أفادت في تنظيم اللعب بشكل ملحوظ، إلا أنها استنزفت قوى كين.
تقارب الخطوط الفرنسية
يتضح من خلال الرسم الإحصائي لخريطة تمريرات المباراة أن خطوط المنتخب الفرنسي مترابطة أكثر من نظيره الإنجليزي.. قاعدة تلك الخريطة بسيطة، وهي أنه كلما كان خط التمرير سميكًا، كانت التمريرات بين اللاعبين أكثر، والعكس كلما كان الخط رفيعًا انعدمت التمريرات بين اللاعبين.
من خلال خريطة التمريرات، يتبيّن أن أغلب تمريرات إنجلترا انحصرت بين الثلاثي الدفاعي، جون ستونز وهاري ماغواير ولوك شاو. بينما ظهر تباعد هائل بين خطي الوسط والهجوم لدى "الأسود الثلاثة"، وقلت التمريرات بينهما.
أمّا في المنتخب الفرنسي، فتقريبًا مرر اللاعبون جميعهم إلى بعضهم، وتقاربت خطوطهم جميعًا.
مبابي بالرقم (10) تبادل التمريرات والربط مع أدريان رابيو بالرقم (14) ولوكاس هيرنانديز بالرقم (22)، ومثل الثلاثي جبهة يسارية قوية للمنتخب الفرنسي. وهذا ما حدث أيضًا في الجهة المقابلة ناحية عثمان ديمبيلي بالرقم (11).
قليل من الحظ
لا يمكن إغفال دور الحظ، ففي حقيقة الأمر سيطر المنتخب الإنجليزي، وكان الطرف الأفضل أغلب أوقات المباراة، لكن المنتخب الفرنسي كان "الأذكى"، وعرف من أين تؤكل الكتف. فقد سجّلت "الديكة" بأقل مجهود وبأقل عدد محاولات.
حاولت فرنسا 8 مرات وسجّلت هدفين، في حين أن إنجلترا حاولت على المرمى 16 مرّة وسجّلت هدفًا وحيدًا.. نسبة الأهداف المتوقعة لفرنسا وإنجلترا تواليًا هي (1.19) و(2.32)، ما يترجم هيمنة الإنجليز على الفرص التهديفية.
ركلة جزاء هاري كين الضائعة في الدقيقة 84، والركلة الحرة التي سددها ماركوس راشفورد وحفّت في العارضة بالدقيقة 90+10، وكرة هاري ماغواير التي ارتطمت بالعارضة في الدقيقة 71، ربما يفسّرون كيف أن الحظ وقف إلى جانب المنتخب الفرنسي. فضلًا عن أن الحارس هوغو لوريس أنقذ 6 كرات على مرماه.
>