جوست فونتين | من المغرب البدايات والنهايات
جوست فونتين "المغربي"، أو "جوستو" كما تسميه والدته، والذي غيبه الموت في الأول من مارس/ آذار الجاري عن عمر ناهز 89 عامًا، سيظل أيقونة كرة القدم الفرنسية وأحد أساطيرها الفريدة، ويجمع الفرنسيون على تصنيفه في المقدمة، قبل بلاتيني وزيدان ومبابي.
بدأ جوست فونتين "المغربي" مشواره مع كرة القدم في المغرب خلال زمن الاستعمار الفرنسي وأنهاه في المغرب المستقل. ففي مراكش رأى النور عام 1933، وفي صفوف نادي "الجمعية الرياضية المراكشية" (تأسست عام 1920 وتم حلها عام 1958 بُعيد استقلال المملكة)، استهل مداعبته للمستديرة.
انتقل جوستو للدراسة إلى الدار البيضاء، وهناك عرف انطلاقته الحقيقية بانضمامه إلى نادي "الاتحاد الرياضي المغربي" البيضاوي (1950 و1953)، وفاز مع هذا النادي (الذي تأسس عام 1913 واندثر عام 1957) بعدة ألقاب، أبرزها هداف الدوري بـ 23 هدفًا في موسم 1950-1951، ولقب الدوري المغربي قبل الاستقلال (كان يسمى حينذاك عصبة المغرب)، ولقب بطولة شمال أفريقيا للأندية المغربية والجزائرية والتونسية عام 1952.
في عام 1953، نجح نادي "نيس" في إقناع فونتين بعبور البحر الأبيض المتوسط وارتداء قميصه حتى موسم 1956، وفي صفوفه سطع نجم جوست كلاعب وسط وهداف استثنائي، وكان ذلك دافعًا لسعي نادي "ريمس" إلى التعاقد معه خلفًا لنجمه "ريمون كوبا" الذي انتقل إلى ريال مدريد. لعب فونتين في صفوف ريمس من 1956 إلى 1960 وسجل 145 هدفًا كما فاز بلقب الدوري 3 مرات (1958، 1960، 1962) وبكأس فرنسا عام 1958، وخاض مع ريمس نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة (دوري الأبطال حاليًا) عام 1959 الذي خسره أمام ريال مدريد المدجج بالنجوم أمثال دي ستيفانو وكوبا وبوشكاش.
في 1958، أصبح فونتين أسطورة كرة القدم الفرنسية بلا منازع بفضل قيادته منتخب فرنسا إلى الدور نصف النهائي في مونديال السويد 1958، قبل أن ينهزم أمام منتخب البرازيل بهدفين لخمسة؛ إذ سجل بيليه هاتريك للبرازيل وفونتين هدفًا لفرنسا التي أنهت المباراة بعشرة لاعبين فقط إثر مغادرة لاعبها روبير جونكيه للميدان بسبب الإصابة بعد نصف ساعة من بداية المباراة ولم يكن حينها مسموح بتبديل اللاعبين.
بعد الهزيمة أمام البرازيل، قاد فونتين المنتخب الفرنسي للفوز ببرونزية مونديال السويد بتغلبه على منتخب ألمانيا بنتيجة 6-4، سجل منها فونتين 4 أهداف ليرتفع رصيده إلى 13 هدفًا وليتوج بلقب هداف المونديال محققًا بذلك إنجازًا تاريخيًا ظل بفضله جوست فونتين صاحب الرقم القياسي العالمي بعدد الأهداف المسجلة في نسخة واحدة من نهائيات كأس العالم، ناهيك أن عدد المنتخبات المشاركة كان 16 منتخبًا فقط وليس 32 كما هو الحال الآن.
لم يشارك فونتين في مونديال آخر بعد عام 1958، فقد أجبرته الإصابات الخطيرة التي تعرض لها على الاعتزال وخوض تجربة التدريب.
لم تعمر تجربته مع منتخب فرنسا طويلًا؛ إذ انتهت بعد هزيمته في أول مباراتين وديتين عام 1967، ثم أشرف على تدريب باريس سان جيرمان من 1973 إلى 1976 وقاده عام 1974 إلى الصعود لأول مرة إلى الدوري الممتاز. وختم تجربته الفرنسية بتدريب نادي تولوز موسم 1978- 1979 (ومدينة تولوز بالجنوب الفرنسي هي مسقط رأس والده).
لم يغب المغرب عن جوست فونتين رغم رحلته الكروية وشهرته الفرنسية والعالمية. ففي عام 1979 لبى "جوستو" نداء بلد مولده عندما طلب منه تدريب منتخب "أسود الأطلس" الذي كان يمر حينها بوضع صعب. أشرف فونتين "المغربي" على "تشبيب" المنتخب وقاده إلى التأهل إلى نهائيات كأس أفريقيا بنيجيريا عام 1980، لكنه لم يتمكن من مرافقته في تلك النهائيات التي احتل فيها أسود الأطلس المركز الثالث بسبب تعرضه لحادث سير.
قال فونتين: "أردت من خلال تدريب منتخب المغرب رد قليل من الجميل الذي أعطاني إياه هذا البلد، والذي لولا فضله علي لما كنت لاعب كرة قدم".
وبدافع من حبه للمغرب وارتباطه به، قاد جوست فونتين حملة نشطة لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم وفي وسائل الإعلام من أجل تنظيم المغرب لمونديال 2006، وكان يردد دائمًا أن تنظيم المغرب لنهائيات كأس العالم سيكون بالنسبة إليه بمثابة تسجيله "الهدف الرابع عشر" في المونديال.
توفي جوست فونتين "المغربي" من دون أن يحقق حلمه الأخير في تسجيل هذا "الهدف الرابع عشر".