تحقيق مع مدرب فاضِحْ!
دأب متابعو حكايات التآمر في ملاعب كرة القدم أينما نُظِّمت سواء في دول متقدّمة في اللعبة أم مُتراجعة، أن يستمعوا إلى قصص وقوع حكم ما أو إدارة فريق في ورطة التلاعب بنتيجة مباراة حاسمة، وسُرعان ما تتكشّف خيوطها لاحقاً عبر وسائل الإعلام وبحقائق صادمة غير متوقّعة!
لكن أن يعلو صوت مدرّب فريق مهزوم عبر أكثر من قناة تلفازيّة ليفضَح توّرط نائب رئيس ناديه بـ (بيع) المباراة لمصلحة الفريق الفائز بعد دقائق من نهايتها! فتلكَ أغرب القصص التي لم تألفها اللعبة في جميع الأزمنة!
علي مجيد "المدرب المغمور" لفريق المصافي، دخل تاريخ دوري الدرجة الأولى في العراق المُسمّى بـ "دوري المظالم" من أوسع أبواب الفضيحة، بعد أن ظلمَ نفسه ثم لاعبيه وناديه في واحدة من أفضح التصريحات الإعلاميّة؛ حيث انهار خلالها تحت ضغط خسارتهِ أمام فريق الميناء الذي كان يترقّب فوزه ليقطع تذكرة العبور إلى منافسات دوري الأضواء للموسم 2023-24 برفقة فريق أمانة بغداد، وهو ما حصل بالفعل تحت قيادة مدرّبه الخبير باسم قاسم في يوم تاريخي سعيد لم يُفسد فرحته غير تصريح مجيد!
على مدى الأيام الثلاثة الماضية لم يهدأ بال أي متابع بصراوي لشأن سفير كُرة محافظته (الميناء) إلا بإنزال أقسى العقوبات الانضباطيّة بحقّ المدرب مجيد، تصل إلى حرمانهِ من مزاولة مهنة التدريب مدى الحياة. والمحايدون يترقّبون تبعات استدعاء المدرب من قبل لجنة الانضباط في اتحاد الكرة ومن يشمله التحقيق في صحّة بيع مباراة التأهّل من عدمها، وطرف ثالث يرى أن توتّر علاقة المدرب مع نائب رئيس النادي محمد حاكم كانت سبباً لاتهام الأخير بالتلاعب في نتيجة المباراة ما دعاه لتقديم شكوى ضدّه في المحكمة.
مهما كانت نهاية هذه القصّة المؤلِمة التي شوَّهت سُمعة المُسابقة الثانية في العراق، كحالة فريدة لم يُسلّط الإعلام الرياضي العراقي الأضواء على وقائع مُماثلة من نسخ الدوري في العقود الماضية، سواء حُسِمَت في مقر الاتحاد أم القضاء، فلا بدَّ من التنويه إلى ضرورة مُراعاة المعنيين في لجنة المسابقات ظروف الجولات الأخيرة المؤهّلة إلى الدوري الممتاز من ناحية توقيتاتها المُناسبة، وسلامة الملاعب، وعدم السماح لأي مُراسل قناة تلفازيّة أو إذاعيّة أن يهرع إلى وسط الساحة لانتزاع تصريحات رسميّة من لاعب أو مدرب، بل هناك قاعة نظاميّة في الملعب كما يفترض لعقد مؤتمر صحفي بحضور جميع المُراسلين ويُدار مركزيّاً من المُنسّق الإعلامي للمباراة، لتفادي أي تهوّر لفظي سريع عقب نهايتها، وهو ما تعمل عليه جميع الدوريّات المُحترفة في المنطقة، فلماذا يهمل اتحاد الكرة التنسيق لإقامة المؤتمرات بدلاً من ترك الكاميرات الرسميّة وغيرها لمنصّات التواصل تصطاد ما تشاء من مواقف متضاربة في ردود الأفعال، وتظهر أحياناً أسوأ منتوج يروُّج عن تهوّر مدرب أو تهجُم لاعب أو سُخط إداري لم يُراعِ أدب الكلام ويُثير مشكلة قد تُهدّد اللعبة بالإيقاف دوليّاً؟
الجانب الآخر الذي تكشفه قصّة بيع المباراة -حسب قول المدرب علي مجيد- ويستفيد منها الجميع كدرس لهم مستقبلاً أنه (أي مجيد) يمتلك تسجيلا يُدين به نائب رئيس النادي، في حين يرى بعض المختصّين في شؤون القانون الرياضي (أن القضاء يُدين الشخص في هكذا حالات ويُحيله إلى محكمة الجُنح لأن حديثه بلا أدلّة، فلا يُمكن الأخذ بالاتهامات التي تُطلق جزافاً، والمدرّب بوضع لا يُحسد عليه، وأحياناً تُغلق الشكوى لنقص بالأدلّة، فما بال مَن لا توجد لديه أدلّة إثبات مُعتبرة، سيما أن التسجيل الصوتي أو الفيديو لا يُعد دليلا وفقاً لقانون الإثبات، وبالتالي لا تنهض التسجيلات وحدها إن لم تُعزَّز بدليل مُعتبَر).
وإذا ما أنصفنا فريق الميناء وسط تداعيات ما أثاره مدرب فريق المصافي؛ فالأوّل أنهى منافسات دوري الدرجة الأولى بـ 46 نقطة منتزعاً صدارة المسابقة للموسم 2022-23 وظفر بمقعدٍ له في الدوري الممتاز الذي غادره الموسم الماضي نتيجة صراع إداري محتدم عجّل بهبوط الفريق للمستوى الأدنى ليقبع في المركز قبل الأخير بـ 30 نقطة، بينما لم يكن هناك أي مستوى فني للمصافي يصلح للمُقارنة مع الميناء؛ حيث ظهر لاعبو الفريق المهزوم بأداء خجول وانسجام ضعيف ونديّة فقيرة على الرغم من أن المباراة تقام في ملعبهم، أما الميناء فتاريخه حتَّم على وفد محافظتهِ أن يعود من العاصمة ببطاقة ضمان التأهّل إلى جوار كبار الأندية، واعداً بعدم تهاون (السفّانة) ثانية، وأن تبقى قوارب جماهيره المؤازرة مُشرعة بالفرح الغامر مثلما صبرتْ ونالتْ في أمسية استرداد هيبة التاريخ ووقار النجوم.