بأي حال عدت يا دورينا المغربي.. بما مضى أم في أمرك جديد؟

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-09-06 16:59
لاعبو نادي الجيش الملكي المغربي (facebook/asfarofficiel)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لم يكن مستغربًا أن تشهد ضربة البداية للموسم الكروي الجديد اهتمامًا متزايدًا باللعبة الشعبية الأولى في العالم، فالدوريات تتسابق من أجل الحصول على اللاعبين الأفضل والأجود من أجل إمتاع الجماهير، وبما أننا جزء من العالم نهتم بها وتأخذ الكرة النصيب الأكبر من الموازنات المالية والدعم المعنوي والإعلامي والجماهيري.

لكن واقع الأندية المغربية يدعو للشفقة، ولا يواكب هذا الطموح، والوقوف مليًا للتمحيص والكشف عن الأمراض المزمنة، لواقع كروي مهترئ، يعج بالكثير من التناقضات، والمظاهر غير السليمة، عناوين تختزل في العمق واقع ممارسة غير مُشجِّع تمامًا، لا علاقة له بما يُقدَّم على مستوى المنتخب الوطني المغربي رجالًا ونساء بمختلف فئاتهم.

دخل دورينا عامًا جديدًا في عهد ما يُسمّى بالاحتراف "على الورق" بطبيعة الحال، مع العديد من التحديات التي نأمل أن تتبلور على أرض الواقع بشكل صحيح، بحيث نتوق ونتوخى معاينة ارتفاع في المستويات الفنية... بدل التفكير في التخلص من المديونية التي عشعشت ولا زالت.. في خططنا وتفكيرنا، وحتى في أهدافنا وإستراتيجياتنا، فأغلب الأندية الوطنية لكرة القدم، خاصةً تلك التي تلعب في البطولة الاحترافية، وصلت إلى حافة الإفلاس، إن لم نقل "مفلسة" بكل ما في الكلمة من معنى، كما هو الحال للرجاء البيضاوي أحد الدعائم الأساسية في منظومة الكرة المغربية، الغارق في الديون، وتراكم نزاعاته ومحليًّا ودوليًّا.. واستطاع بعد ساعات من انطلاق الدورة الأولى للبطولة الاحترافية، فكّ جزءٍ بسيطٍ من الديون الغارق في أعماقها.

فباستثناء الوداد، ونهضة بركان، والفتح والجيش الملكي، الذين يعيشون نوعًا من التوازن المالي، إمّا لوجود أشخاص نافذين على رأس مكاتبهم المُسيّرة، أو انتمائهم إلى مؤسسة وطنية كبرى، كما هو الحال للجيش الملكي، بينما باقي الأندية فيعيشون على الدعم والمساندة وتلقي الهبات والمساعدات.

الأكيد أن هناك أسبابًا متعددةً وراء حالة الإفلاس هذه، ومن بين هذه الأسباب عدم تحول الأندية الوطنية إلى مؤسسات قائمة بذاتها قادرة على ضمان التوازن المالي والإداري والتقني، كما أنها لم تتمكن من إنتاج آلياتٍ خاصةٍ بجلب الموارد، لتبقى كرة القدم بالمغرب رياضةً غير مُنتِجة، وبالتالي نجدها تعيش على موارد الاتحاد المغربي والمجالس المُنتخَبة، مع ما يطبع العلاقة مع المنتخبين من مد وجزر تتحكم فيها العلاقة "الخاصة" التي تربط بين المكاتب المسيّرة والهيئات المنتخبة.

فدخول عقود اللاعبين والمدربين حيز التطبيق، بحكم نظام الاحتراف لم تكن الأندية الوطنية مهيّأة له بما فيه الكفاية، إذ بدأ التسابق على عقد الصفقات دون مراعاة واقع الحال والإمكانيات المتوفرة، لتسقط أغلب الأندية في مشاكل لا حصر لها، نتج عنها تراكم الملفات الخاصة بالنزاعات تتحول مباشرةً إلى مقر الاتحاد المغربي، هذا الجهاز أصبح عبارة عن ورشة تشتغل ليلًا نهارًا، مهمته معالجة ملفات أغلبها مُعقّد، بل نجد أكثر بنودها مفتوحًا على التأويلات والاجتهادات القانونية.

كما أن أغلب الأندية لم تعد مؤهلةً من الناحية التقنية لتفريخ المواهب، لتصل حالة الإفلاس إلى مسألة التكوين والناشئين، وفي الحالة هذه، فإن الكل أصبح يتسابق لجلب العناصر الجاهزة محليًّا وقاريًّا، وهذا ما يفسر كثرة الملفات الخاصة بالنزاعات على الصعيد الدولي، وهناك أحكام صادرة حتى من الفيفا في حق العديد من الأندية المغربية، كما هو الحال مع الرجاء والمغرب التطواني والوداد البيضاوي ووداد فاس وغيرهم.

هذه الوضعية المؤسفة حتّمت على الاتحاد المغربي ورابطة المحترفين ضرورة التدخل، وقد جاء بلاغها الصادر قبل انطلاق البطولة والكشف عن حجم الديون بالقنبلة الموقوتة التي هزّت أركان أعتى الأندية المغربية، وليضعها أمام مسؤولياتها، إذ لا يُعقل أن تتمادى الفرق في جلب اللاعبين وهي عاجزة عن الإيفاء بكل التزاماتها، كما لا تستند على ضمانات مالية ملموسة تسمح لها بتغطية كامل مصاريفها.

والحل أمام الأندية هو ضرورة التحول إلى وحدات منتجة والبحث عن موارد مستدامة، والأكثر من ذلك كسب ثقة المؤسسات التجارية ورأس المال الخاص، مع حتمية دخول الدولة -عبر المؤسسات الوطنية الكبرى- مجال الاستثمار الرياضي، نفس المسؤولية تقتسمها المدن التي تنتمي إليها تلك الفرق، خاصةً الكبرى منها، وأن يقتنع الجميع بأن الأندية هي ملك للمدن ولهيئاتها وسلطاتها ومنتخبيها، وفعالياتها المالية والاقتصادية، وأن يقتنع الجميع بأن الرياضة واجهة حضارية، وعامل تنموي حقيقي، وبالتالي فإن دعم الأندية واجب تقتضيه المواطنة الحقيقية.

فمع انطلاق موعد الدورة الأولى للدوري المغربي، تقف الأغلبية الساحقة من الأندية الوطنية بقاعة الانتظار، تترقب حلولًا لأزماتها الخانقة، تتفضل بها الجهات المشرفة والقطاعات الوصية، أو انتظار صاحب حقيبة منتفخة بالأموال ليجود بها، ليس حبًا لأعين النادي؛ بل تمهيدًا للانتخابات القادمة رغم بعدها لتعبيد الطريق من الآن.. ! لأنهم يطبخون مستقبلهم السياسي على نار هادئة، في انتظار لحظة الحسم؛ لأن كرة القدم أضحت تربة خصبة للسياسة والسياسيين، وليس للاقتصاديين المستثمرين!

فمنذ أن قرّر الاتحاد المغربي لكرة القدم تسريع تحوّل الأندية من جمعيات إلى شركات، تناسلت تكهنات تفيد سعي ثلة من رجال الأعمال المغاربة للاستثمار في تلك الأندية.

بل تفاءل متتبّعو الشأن الرياضي بانفتاح كرة القدم المغربية على الاستثمارات الأجنبية، على غرار تلك التي رفعت بعض الأندية الإنجليزية والفرنسية المغمورة إلى مقام كبار المشهد العالمي في كرة القدم.

لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، فبعد أكثر من عامين على الشروع في التحول المذكور، لا يزال المستثمرون يحجمون عن ضخ رؤوس الأموال في الأندية المغربية، حتى أصبح التحول شكليًّا وعاجزًا عن إحداث أي فارق.

‎دورينا.. بأي حال عدت! بما مضى أم لأمـر فيك تجديد؟! فوصف العلل، وتحديد الأعراض، وتشخيص الداء، ووصف الدواء.. لن يكفينا في حلقات متعددة، فكيف لنا أن نتفاءل ونطمئن؟! وهذه الهموم متراكمة! وهذه المشكلات باقية! وتلكم المعضلات عصية علي الحل! مضت سنون.." وما أشبه الليلة بالبارحة!" وإن ازدادت سوادًا، وأمست كالحة، وباتت الفرحة غائبة بفعل تفشي خطر المديونية ورقص بعض رؤساء الأندية على أوتار التسيير الهاوي.

شارك: