النساء مستقبل كرة القدم
"المرأة مستقبل كرة القدم"، هذا ما قاله السويسري سيب بلاتر، الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" عام 1995.
قد نتفق قليلًا أو كثيرًا مع ما ذهب إليه بلاتر أو لا نتفق معه؛ بيد أن المتابع لتطور وانتشار وشعبية لعبة كرة القدم النسائية خاصةً هذه الأيام التي تحتضن فيها أستراليا ونيوزيلاندا ، نهائيات كأس العالم لكرة القدم للسيدات 2023، يدرك الأهمية الكبيرة التي حظيت بها كرة القدم النسائية في العالم.
بدأ مونديال السيدات متواضعًا عام 1991 بمشاركة 12 منتخبًا، لكن المشاركة سرعان ما وصلت إلى 24 منتخبًا في مونديال فرنسا 2019، ثم صار العدد 32 منتخبًا خلال النسخة التاسعة الحالية الممتدة فعالياتها من 20 يوليو/ تموز إلى 20 أغسطس/ آب 2023.
وفي إجراء غير مسبوق قرر الاتحاد الدولي هذه المرة أن كل لاعبة من اللاعبات المشاركات في المونديال، وعددهن 732 لاعبةً، ستحصل على 30 ألف دولار على الأقل.
وعلى هذا النحو ستحصل كل لاعبة من بين اللاعبات اللاتي يغادرن المنافسة من دور المجموعات على 30 ألف دولار، ويرتفع هذا المبلغ إلى 60 ألف دولار لكل لاعبة مشاركة في الدور ثمن النهائي، وإلى 90 ألف دولار لكل مشاركة في ربع النهائي، فيما تحصل كل لاعبة فازت مع منتخبها بالمركز الرابع على 165 ألفًا، وكل فائزة بالمركز الثالث على 180 ألف دولار، وصاحبات المركز الثاني على 195 ألفًا، وكل لاعبة من المنتخب المتوج بالكأس على 270 ألف دولار.
تحسن ملحوظ ومهم رغم أنه لا يرتقي إلى مجموع جوائز مونديال قطر 2022 للرجال الذي بلغ 440 مليون دولار والذي وحصلت خلاله جميع المنتخبات التي غادرت من دور المجموعات على 9 ملايين دولار.
وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم قد أعلن في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، مضاعفة الموازنة المخصصة للإنفاق على ممارسة كرة القدم النسائية لترتفع من 500 مليون دولار إلى مليار دولار خلال الأعوام الأربعة التالية.
في موازاة ذلك ازدادت شعبية كرة القدم النسائية. فقد كشف تقرير للفيفا نُشر في نوفمبر/ تشرين الثاني، أن عدد السيدات والفتيات اللاتي يلعبن كرة القدم في العالم بلغ 29 مليونًا، وتوقع أنه "مع الاستراتيجيات التي وضعت هذا العام لدعم كرة السيدات حول العالم، سيرتفع الرقم إلى 60 مليون لاعبة بحلول عام 2026، من جميع الفئات والأعمار، صعودًا من دوري أطفال المدارس وأندية الأطفال المستقلة حتى الأندية الكروية".
وفي تقريره السنوي حول انتقال اللاعبات في العالم عام 2022 والصادر في شهر يناير/ كانون الثاني 2023، كشف الاتحاد الدولي لكرة القدم أن عدد انتقالات اللاعبات تجاوز الضعف منذ عام 2018 وأن مبالغ صفقات الانتقال كانت قياسيةً.
وذكر التقرير أن عدد الانتقالات بلغ 1555 انتقالًا دوليًا في عام 2022 بزيادة قدرت بنسبة 19 % مقارنةً بعام 2021، وشملت 550 ناديًا في العالم بزيادة كبيرة في عدد الأندية المعنية تجاوزت قليلًا نسبة 19% مقارنةً بعام 2021.
وبلغ إجمالي الإنفاق على الانتقالات الدولية قرابة 3.3 مليون يورو، وهو مبلغ غير مسبوق فاق إجمالي المبالغ المالية التي أنفقتها أندية كرة القدم النسائية في سوق الانتقالات في العالم في عامي 2020 و2021 معًا.
في ضوء هذه المعطيات وغيرها مما ضاق المجال لذكرها، تشير كل التوقعات إلى أن هناك مساحات كبيرة وحاجات ماسة لتطوير كرة القدم النسائية وازدهارها، رغم اتساع الفجوة بين واقعها وواقع كرة القدم الرجالية. ومن المؤكد أن مونديال أستراليا ونيوزيلاندا وما سيحققه من إقبال ومتابعة سيسهم -كما فعل مونديال فرنسا 2019- في تعزيز انتشار اللعبة.
فالآفاق والفرص الاستثمارية والاقتصادية المربحة كثيرة ومتنوعة تغطي شتى القطاعات، وإمكانيات إطلاق منافسات جديدة وطنيًا وإقليميًا ودوليًا كثيرة، وسبل دعم اللعبة واللاعبات ووضع إستراتيجيات واضحة ومتكاملة ليست بالأمر الصعب إذا ما صدقت النوايا والإرادة.
إن ازدهار اللعبة عالميًا سيعود بالنفع على واقع كرة القدم النسائية العربية وتطويرها ونشرها ودعمها. كما أن مشاركة منتخب المغرب في المونديال الحالي ستحفز الأندية والمنتخبات العربية على العمل بكد وجد لتتبوأ مكانتها بين منتخبات غيرها من الأمم، وستشعر المشرفين على هذا القطاع بحجم مسؤوليتهم الأكيدة عن تطوير القطاع وتنميته.
أملنا في أن يسهم المنتخب المغربي بتشجيع الكرة النسائية العربية وازدهارها وتحسين صورتها داخليًا وخارجيًا. وكل الأمل في أن يشرف منتخب "سيدات الأطلس" الكرة النسائية العربية في العرس العالمي وأن يمضي قدمًا إلى أدوار متقدمة.