الرياضة المغربية في خبر كان.. وما زالت!
وأنا أتطرق إلى واقع الرياضة المغربية المهترئ يعتقد القارئ الكريم جازمًا، أني سأغرد خارج السرب، وهو يتابع ما حققته الأسود الأطلسية من إنجاز مبهر في قطر.
لكن يا سادة شجرة إنجاز الكرة لا يمكنها أن تخفي غابة المشاكل التي تعانيها الرياضة في المغرب، فكرة القدم بالرغم من شعبيتها الكبيرة، لا يمكن أن تفي بالغرض، لنجزم القول إن الحالة الصحية للرياضة سليمة ومعافاة، ولا تشوبها شائبة.
لكن إذا أمحصنا التدقيق في رياضتنا، نجد أنه على مر التاريخ شكلت إنجازات أبطال ألعاب القوى المغربية ذلك البلسم الذي يداوي جراح الرياضة الوطنية، والمصل الذي يشفيها من وباء الإخفاق الذي نخر جسدها الواهن مثل عجوز عانس، رغم كمية المساحيق التجميلية الباهظة التي صرفت عليها بمباركة من صحافة مختصة، من أجل تنميق صورتها أمام المتابع المغربي بعدما ضاق ذرعًا من قطار الفشل السريع والذي لا تتوقف عجلته عن الدوران منذ عقود خلت، حتى صار الإخفاق موضة ونمط حياة لا يخدش الكبرياء لدى الرياضيين ورؤساء الاتحادات في بطولات العالم وتحت لواء العلم الأولمبي.
فإذا كانت اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية تهيئ كل الظروف "اللوجستيكية" وتذلل كل الصعاب المادية من أجل التحفيز وتوفير كل الظروف، تظل جل الاتحادات الرياضية حبيسة التواضع ولا تستيقظ إلا على هزات الهزائم المتتالية والتي ألفتها، أو تتململ كلما اقترب موعد لجمع عام (لاتحاد ما) يقرر مصير أعضائها، فإنها تقيم الدنيا ولا تقعدها لضمان الكراسي التسييرية، فباستثناء الكرة، لا شيء يذكر في الرياضة المغربية، أبينا أم كرهنا.
النتائج المخيبة والإخفاق خلال الأعوام الماضية لم يعد بذلك الشيء الشاذ في السنوات الأخيرة أو هو بالخارج عن المألوف للرياضة الوطنية بل هو تكريس لشعار المشاركة من أجل المشاركة في حد ذاتها وأصبح عنوانًا عريضًا لتبرير الخروج من الأدوار الأولى بخفي حنين، باستثناء الفلتات التي خلفتها سيقان رجال مضامير ألعاب القوى على غرار طيبي الذكر عويطة السكاح بوطيب متوكل بدوان والأسطورة هشام الكروج، والبقالي الوحيد حاليًا.
هذه النكسات لم تكن سوى صنيع أيادي التسيير العشوائي في ظل مسلسل تغييب أصحاب الكفاءات وأهل الاختصاص عن مطبخ إعداد الأبطال والإسهام في الاختيارات التقنية لمن له القدرة ويستحق تمثيل الوطن خير تمثيل في المحافل الدولية، بالإضافة إلى مواصلة العمل بخطط قصيرة المدى تخدم فقط أجنداتهم الخاصة في تبدير الميزانيات المخصصة للاتحادات الوطنية، والاعتماد في انتقائهم على رياضيين يجيدون فقط فن التقرب من أصحاب القرار.
إن فشل الرياضة الوطنية ناجم عن اهتراء منظومة بأكملها عجزت عن تقديم الأفضل، ورسم البسمة على وجوه المغاربة، إضافة إلى افتقارها للأهلية والتميز لجلب الألقاب التي باتت اليوم تتطلب آليات تعتمد على قواعد مضبوطة، ودراسات علمية دقيقة، ومشاريع جادة لإعداد الأبطال والتخطيط المحكم لهدف واضح وجلي ألا وهو اعتلاء منصات التتويج.
لقد سئمنا من الشعار الخالد للرياضة المغربية "المشاركة من أجل المشاركة"، ما يترسخ في الذهن ويعترف به التاريخ هو الألقاب، إن عدم معانقة الذهب أو ما دونه في المحافل الرياضية الدولية يعتبر فشلًا ذريعًا في حد ذاته مهما كانت الظروف، وانتصارًا كبيرًا للمنافس الذي عرف كيف يقتنص الفوز كونه استعد بصورة أفضل، إنه تمثيل لبلد، لألوان علم، وليس مجرد مشاركة في لعبة مسلية، إنها صورة شعب بأكمله يهان حين يفشل ممثلوه في رفع رايته عاليًا فوق كل رايات الأمم.
ليس العيب في عدم المشاركة للتركيز أكثر في المنافسات القادمة، العيب حين تتحول المشاركة إلى مجرد نزهة تؤخذ فيها الصور وتصرف عليها الملايين لا لشيء سوى للاستمتاع والاستجمام، في حين يقبع الملايين في بيوتهم وراء شاشات التلفاز إلى ساعات متأخرة من الليل ينتظرون على أحر من الجمر إنجازًا مفرحًا.
إن الرياضة مثلها مثل الصناعة والتجارة عمود من أعمدة الدولة، تتطلب بدورها المادة الخام التي تتجسد في نواة البطل المستقبلي، وبرنامجًا متكاملًا ومتوازنًا من شأنه أن يصقل ويطور مهارات البطل ويشمله بالرعاية التامة قصد تنميته وتكييفه جسمانيًا ونفسيًا ووجدانيًا، وذلك تحت مراقبة وإشراف نخبة متمكنة قادرة في النهاية على خلق متنافس رياضي بكل مقوماته الفسيولوجية والسيكولوجية.
علينا أن نسابق الزمن نحو التطوير في الرياضة، وعلينا أن ندرك أهمية مسيرة الحركة الرياضية، إذا كنا نريد تحقيق النجاحات على الصعيدين الفني والإداري، فالخطط الاستراتيجية هي المطلب، والالتزام بتنفيذها هو الطريق الصحيح من أجل ثورة رياضية تحقق هدفنا، إن الحديث عن الرياضة الوطنية وإشكالية تقهقرها حديث يطول سرده؛ فالجرح غائر والتحديات كبيرة جدًا تزيد صعوبتها يومًا بعد يوم، والاكتفاء بالكلام في مثل هذه الأحوال والامتناع عن الأفعال الإرادية الجادة يزيد من صعوبة الأمر ويجعل الوضعية على ما هي عليه.
من صادف هذه الرياضات المفقودة فليشعرنا!، إلى كل من وجد هؤلاء المفقودين أن يخبرنا بهم، كرة السلة، واليد، والمستطيلة، والطائرة، ورياضة المصارعة، وحمل الأثقال، والملاكمة، وألعاب القوى، والسباحة، والجودو، والكراتيه، والدراجات، وغيرها من الرياضات المفقودة، التي لا تظهر إلا في المناسبات وتختفي فجأة.