الركراكي.. بين نارين!
استطاع منتخب المغرب الرفع من سقف طموحات المغاربة وأيقظ بداخلهم الرغبة في الوجود على الساحة الدولية في كل المجالات بعد تأهل "أسود الأطلس" التاريخي إلى نصف نهائي بطولة كأس العالم لكرة القدم (قطر 2022) كأول منتخب عربي وأفريقي يحقق هذا الإنجاز في التاريخ.
والحقيقة أن منتخب المغرب نثر سحره في ملاعب الدوحة، من خلال أداء لافت للاعبيه وإتقانهم اللعب بمستوى ثابت طوال المباريات، في مشهد لم يعتد عليه الشارع العربي الذي عاش عقوداً من الزمن تحت رحمة اللاعب المزاجي وما تجود به نفسه خلال المنافسات، ولم يعتد أنصار كرة القدم من المحيط إلى الخليج على متابعة منتخب قبل المغرب يملك القدرة على الأداء دون كلل أو ملل، على طريقة الألمان والفرنسيين والبلدان التي تهتم بالانضباط والإتقان في أنديتها ومنتخباتها.
لن يكون من السهل مجاراة المغرب مستقبلاً بسبب انسجام لاعبيه مع قواعد الاحتراف في الأندية الأوروبية، واكتساب أكثرهم خبرة في "مهنة" لاعب كرة القدم، بما تتطلبه من إلتزام سلوكي وصحي في الحياة اليومية، لكن القادم هو الامتحان الأصعب للحفاظ على هذه المكتسبات، وتأكيد انطلاقة مونديال قطر، فما هي سبل الاستمرارية بدون عثرات وكبوات؟!
نعم القادم أصعب؛ فالاستمرارية والمحافظة على هذه الإنجازات يتطلب أدوات قوية، وكفاح وصراع وجلاد وعدم التأوه والشكوى، لأنها من حيل ومبادئ الفاشلين العاجزين، الركراكي من المدربين الذين لايركبون رأسهم ويمشون فوق السحاب، فبعد عشرة أيام من الراحة، بدأ يطوف أوروبا بحثًا عن قطع الغيار، وعن إمكانية توجيه الدعوة للاعبين في تجمع المنتخب المغربي القادم، لمواجهة منتخب "السيليساو" .
فعطلة الناخب الوطني وطاقمه المساعد كانت محدودة لأن النوم في العسل، والتغني بأفراح مونديال قطر قد انتهى، ومحطة قطر كانت لبنة من اللبنات، للاستمرار في عملية البناء، وأي تقاعس وتراجع سيحدث رجات عنيفة على مستوى أرضية وتضاريس الأسود، وفرملة طموحاتهم، مما جعل الركراكي يضع نفسه أمام الأمر الواقع حتى لا يدخل قوقعة التغني بالإنجاز الماضي، ويفكر جدياً في المستقبل مع خارطة طريق ناجعة، لأن أمامه عناصر وصلت من السن ما يجعله يفكر في البديل من الآن، ولا ينتظر حتى تقع الفأس على الرأس.
فمنح الفرصة لعدة عناصر صغيرة السن أمر لا مناص منه، و تدريجياً يفكر في التخلي عن اللاعبين الذين تجاوزوا ثلاثين عاماً، مع الإبقاء فقط على اللاعبين أصحاب التجربة الذين بإمكانهم مساعدة المنتخب المغربي لمواصلة مسيرة التألق، فالركراكي يضع نصب عينيه ضرورة المنافسة على لقب بطولة كأس أمم أفريقيا التي ستقام بساحل العاج.
عندما يوشك قارب على عدم الإبحار بشكل جيد، فإن أول ما يحدث هو أن يتم التخلص من كل الأوزان، التي لا فائدة منها تلك اللحظة، حتى ترسو السفينة بكل سلاسة؛ نفس الشيء فحينما يبدأ المحصول في الظهور فإن أول ما يفعله الفلاح هو إزالة النباتات الطفيلية، التي يسرّ العين خضارها، لكن يؤذي المحصول وجودها، وعندما تواجه فريق مباراة حاسمة فإنّ المدرب لن يختار المصاب ولا المشجع الذي يحمل طبلاً، ولا أيّاً من محللي الاستوديوهات الرياضية، بل سيختار أفضل من لديه من اللاعبين، وأكثرهم جاهزية.
فيجب الوقوف على جاهزية بعض العناصر الوطنية، تمهيداً للإعلان عن القائمة النهائية لدعوتها للمعسكر الإعدادي القادم، في شهر مارس المقبل، وتتبع بعض الأسماء التي يضعها الناخب الوطني، وليد الركراكي، ضمن مفكرته، فالنافذة الدولية المقبلة "تواريخ الفيفا"، فرصة للمناداة على وجوه جديدة للالتحاق بالمنتخب الوطني، وهو ما يشتغل عليه الناخب الوطني بمعية مساعديه، ويجعله في حيرة من أمره، إذ إن هناك مشكلة الأخوين مايي اللذين تم تغييبهما عن المونديال، وما صاحب ذلك القرار من القيل والقال، وعن احتمال استدعائهما، وأخبارهما عن رفضهما التواصل مع وليد الركراكي، لكن ردهما جاء سريعاً، بعد انتشار إشاعات حول حقيقة رفضهما التحدث مع المدرب وليد الركراكي ورفض تمثيل المنتخب المغربي في المستقبل.
فقد أوضحا أن هذه مجرد أكاذيب روجتها العديد من وسائل الإعلام، كل هذا من شأنه أن يحدث خللاً في منظومة الانضباط، أحد التوابث التي حملها وليد الركراكي للمنتخب المغربي، وهي إحدى الرافعات الأساسية التي أعادت الهدوء والوئام لمستودع ملابس الأسود الأطلسية.
ولعل الهَم الذي يقض مضجع وليد هو جذب معظم المواهب المتألقة في منافسات الدوريات الأوروبية، لقطع الطريق على منتخبات الإقامة، رغم أن مهمته لم تكن سهلة على الإطلاق، بالنظر إلى سياسة الإغراءات، المعتمدة من قبل الاتحادات الكروية في أوروبا، فإبراهيم دياز، نجم "الروسونيري"، تم إقناعه بحمل قميص المنتخب الوطني المغربي، بعد أن سبق له تمثيل المنتخب الإسباني الأول، في وقت سابق، خلال لقاء ودي إعدادي، بالإضافة إلى قطع غيار من لاعبين شباب يبلون البلاء الجيد في فضاء أوروبا، ودعوتهم أمر وارد ومطروح بقوة، فهل نعلن ذلك ونكتب بالبند العريض لا خوف على الأسود، أم نضع أيدينا على قلوبنا خوفاً ورهبة من القادم المجهول؟!
وأمام هذا الوضع؛ فالركراكي يقف بامتحان عسير جداً؛ لأن الجمهور لن يرضى بالتراجع عن المسيرة التي عرف انطلاقتها من قطر.