الرجاء والوداد.. مديونية لا نهاية لها
أَسَلْنا مدادًا كثيرًا عمّا يُسمّى بالحوكمة في التسيير والتدبير في وطننا العربي وخاصة في المغرب، نظل نلف وندور ولا نُراوح مكاننا، بل نسقط في متاهات غريبة ومتلونة.
الحوكمة ليست "موضة"
الحوكمة في التسيير والتدبير هي إدارة محترفة مبنية على أسس علمية وعملية، تعتمد على أنظمة واضحة وسياسات متماسكة وقرارات مسؤولة مبنية على قوانين مقرونة بشفافية.
ولقد أقَرّ الاتحاد المغربي وألزم الأندية المغربية بإنشاء شركات رياضية، بهدف تطوير طريقة عملها، عبر تطبيق أفضل معايير القواعد والسياسات والإجراءات لضمان الاستدامة الإدارية والمالية، وذلك بالامتثال للأنظمة والقوانين الرياضية والمؤسسية، وإدارة العمليات المالية للنادي مع الالتزامات الائتمانية.
الخطوة لا شك رائدة وتستحق الثناء، ولكن رغم ذلك فإن بعض الأندية ما زالت مديونياتها في تفاقُم مطّرد، وقضاياها في الفيفا متصاعدة لدرجة مؤسفة، وتسيئ لسمعتنا الرياضية، ومن الواجب أن يُوضَع حَدٌّ لذلك من خلال إدخال مؤسسات رقابية أكثر تَمرُّسًا، وتطبيق قوانين جديدة تمتد إلى الجذور وتُغلِق الثغرات.
كل هذا فنّدته قرارات الفيفا واللجنة المالية للاتحاد المغربي، التي طالبت أندية كبيرة مثل الرجاء والوداد، بأداء ما بذمتهما من ديون منها الواضح والخفي، وهذا هو بيت القصيد، ممّا جعل جماهيرهما تضع أياديها على قلوبها خوفًا من تَردِّي أوضاع أنديتهما أمام الاستحقاقات المقبلة.
فغياب الشفافية والوضوح في الأرقام المالية من طرف الأندية يُدخِلنا في متاهات الهواية، ويجعلنا بعيدين عن كيفية معالجة القصور في تطبيق الحوكمة؛ لأنّ مِن أهم أسباب إخفاقات الحوكمة سوء الإدارة، وهي مشكلة لدينا تحتاج إلى إعادة نظر في كيفية تنصيب إدارات الأندية فالتركيز على القدرات المادية دون الالتفات إلى الجوانب التنظيمية يؤول إلى نتائج سلبية.
أقول في غياب الشفافية والإفصاح أمام الجمهور عن الدُخول المادية والأصول للمرشحين، وعدم ضمان وصول الجمهور إلى جميع المعلومات والوثائق والتقارير المالية ومحاضر الاجتماعات بشفافية، وتقديم إيضاحات دورية حول الحوكمة، إضافة إلى ضمان حرية التعبير عبر وسائل الإعلام المختلفة في هذا الجانب، وتطبيق القوانين واللوائح والأنظمة على الجميع دون استثناء، والتعامل مع الفساد بحزم واستخدام التقنية لتقنين العملية التشغيلية، تكون النتيجة التفاهة وتردي أوضاع التسيير! فالحوكمة ليست "موضة" بل هي فلسفة سياسية علمية تحتاج إلى أدوات لتطبيقها على أرض الواقع.
فالكرة المغربية لها نقاط قوة تتجلى على المستوى التنظيمي والتنافسي، غير أنها ليست كافيةً، الأمر الذي يستدعي إرادة إصلاح عاجلة للقطاع الكروي، وإن كان الاتحاد المغربي عبّر عنها من خلال عدة منجزات كمضاعفة الدعم والاهتمام بالبنية التحتية، لكن ما جدوى كل هذا أمام التسيير والتدبير العشوائية للأندية.
حلم... وكفى
انتظارات الجماهير المغربية كانت كبيرة خلال هذه السنة بعد الإنجازات التي حققتها الكرة المغربية بالتأهل لكأس العالم 2022، وفوز الوداد بدوري أبطال أفريقيا، ونهضة بركان بكأس الاتحاد الأفريقي. لكن كل هذا يبقى مجرد مساحيق لا يمكن أن تنمحي معها تجاعيد المشاكل المالية التي تتخبط فيها كبريات الأندية المغربية!
كان الكل يُمنِّي النفس أنْ تكون انطلاقة الأندية في الدوري من دون مطبات ومشاكل وشكاوى، لكن للأسف مع انطلاق المسابقة، انهالت الضربات على الأندية، وجعلتها كالطائر الجريح، لا يَقوَى على الطيران، بل أن نزيفها المالي ازداد سوءاً، فقد كشف تقرير لجنة مراقبة مالية الأندية التابعة للاتحاد المغربي لكرة القدم حجم الديون التي تُثقِل كاهل أندية الدوري المغربي في قسمه الأول، والتي تفاقمت حِدَّتُها في الفترة الأخيرة، ولن نتّهم كورونا، ونجعلها شماعةً نُعلِّق عليها تردي الأوضاع، فالعيب فينا وفي تسييرنا الهاوي.
تراكم الديون يؤدي إلى الإفلاس
تراكُم الديون والدخول في نزاعات مالية مع اللاعبين السابقين والمدربين قد وضعا الأندية في ورطة كبيرة. فمعدلات الإنفاق المرتفعة لأندية الدوري الاحترافي الأول والثاني، تقودها للغرق الوشيك، حال عدم البحث عن إيرادات إضافية، وتجنب إبرام صفقات بشكل عشوائي دون تخطيط.
وكل هذا سببه غياب الحوكمة المالية وحُسن التدبير لدى بعض الفِرق، التي وجدت نفسها أمام تراكُم غير مسبوق للديون جعلها على حافة الإفلاس.
والغريب أن هناك أخطاءً يُعاد ارتكابها وتُقرِّب الأندية المغربية من الانهيار المالي، بصرف أجور خيالية، وتقارير غامضة، إلى جانب استمرار هيمنة ظاهرة "التسلط على التسيير".
احتراف الهواية
من بين الأسباب التي جعلتْ كرة القدم المغربية تتخلف "هو أننا أوهمنا أنفسنا بأنّ لدينا احترافًا حقيقيًا، عندما رفعنا بشكلٍ جنونيٍّ أسعار اللاعبين المحليين، وبعقود خيالية لا تتناسب مع إمكانياتهم، ممَّا جعلنا نعيش على الأوهام وندور في حلقة مُفرَغة سنوات وسنوات، وسنعجز عن بناء كرة ذات أُسس قوية ما لم نُعِدّ النظر في اختيارنا احترافًا غير مستعدين إطلاقًا لتطبيقه"، ليس من شكله؛ لكن في مضمونه وعمقه الاقتصادي المحض.
لا يبقى إلّا أنْ أقول: "يا عالم! يا ناس! يا مسؤولين!.. كرة القدم بمفهومها الحديث أصبحت أحد شواهد رُقي الدول وتقدُّم شعوبها، وأضحت لاعبًا رئيسًا في اقتصادات الدول، وباتت ركيزةً أساسيةً في النهضة المستقبلية، أمّا أن نجعلها للترفيه فقط، فعلى كرة القدم والرياضة السلام! وبه وَجَبَ الإِعلام.