الجمهور بطل كأس الخليج

2023-01-08 19:09
من حفل افتتاح بطولة كأس الخليج "خليجي 25" بمدينة البصرة العراقية (Getty)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

رحم الله شيخ المُعلّقين الرياضيين الخليجيين والعرب، مؤيد البدري، الذي يُعد أحّد المؤثّرين في بطولات كأس الخليج للفترة من عام 1976 إلى عام 1990، حيث صرّح لمجلة الصقر القطرية في أبو ظبي عام 1982 على هامش تغطيتها لأحداث النسخة السادسة من البطولة ذاتها قائلًا: "خدعوك وقالوا، للبطولة 7 كؤوس"، في ردّه على طلب محرّر المجلة بترشيح الفريق البطل، وكان تعليق البدري بمنتهى الواقعيّة بأن كلّ فريق يرى نفسه حاملًا للكأس، لكن الكأس لن تختار سوى مَن يجتهد في الملعب ويصل إلى النهائي.

حال الفرق الخليجيّة الستة إضافة إلى اليمن و العراق (مضيّف النسخة 25 الجارية في محافظة البصرة)، يختلف عمّا شهدته سجلات الأرشفة للبطولة يوم كان نظامها يجري بطريقة الدوري من مرحلة واحدة.. يومها كانت هناك مباريات عديدة ومُدّة أطول سعت خلالها وسائل الإعلام الخليجيّة إلى فرض قوّة هذا الفريق أو ذاك بـ"مانشيتات" مُثيرة ومستفِزّة غالباً، في محاولة منها لبثّ الحماس في نفوس لاعبيها وإرباك حسابات المنافسين.

أما اليوم، فهناك تحفّظات كبيرة حتى من الفرق المرشّحة لنيل الكأس 25، والتي اتبعت سياسة التصريح المُقنَّن للتلفاز والصحافة بلا مُكاشفة مباشرة عن آمالها وطموحات ملكاتها الفنيّة ومسؤوليها، ليقينهم بأن المنافسة القويّة في المجموعتين لم تُظهِر ملامح الفارس الجديد، وأن كرة "الرحلة" الموندياليّة المُعتمدة من منظّمي خليجي 25 مستعدّة لإسعاد وإحزان أي فريق في دقيقة واحدة، مثلما أحدثت الكرة نفسها ردود فعل كبيرة في المدرّجات القطرية قبل شهر.

ما يُفرح البطولة البصراويّة أن هناك لاعبين شباب أثبتوا أهليتهم بارتداء قمصان منتخباتهم خلفًا للنجوم الكبار الذين منحتهم اتحاداتهم إجازة مؤقّتة أو استُبعدوا تمامًا، فالفريق القطري أكّد حُسن رعاية اتحاد بلاده لخطوة زجّ الرديف في منافسات البطولة الخليجيّة، وأن جيل "أحمد علاء الدين وعمرو عبد الفتاح "قادر على أن يكون الورقة الرابحة في الاستحقاقات القادمة، سواء تمكّن من خطف اللقب أم خرج من البطولة، وهكذا للجيل السعودي الممثل بالمُبدَعَيْن "مصعب فهد وسميحان ضيدان"، والذي يقدُّم العرض المتوازن في أسلوبِ اللعب، وأثبت نجاعة سياسة الاتحاد السعودي باعتماد عناصر الجيل أساسيين للسنوات الثلاثة المقبلة، في عملية التغيير الحتميّة لدورة الفئات المرحليّة ومنح الثقة للأولمبي والشباب.

أما منتخبا البحرين وعُمان، فهُما من أكثر الفرق استقرارًا في النواحي التنظيميّة داخل المباراة، وقد اجتهد اللاعبون بتعليمات الملاك الفني، وقدّموا أروع أداء، خاصّةً بالنسبة لـ"الأحمر العُماني" الذي لم ترهبه صيحات 65 ألف مشجع في مدرّجات الملعب العملاق "جذع النخلة"، على وقع الهتاف الخالد (بالروح.. بالدم.. نفديك يا عراق) في أثناء الافتتاح الأسطوري، وانتزع الفريق العماني نقطة مهمّة من فم الأسد، ربّما تلعب دورًا حاسمًا لاحقًا لتحديد ترتيب الفرق المرشّحة للدور نصف النهائي.

ولم يُظهِر فريقا اليمن والإمارات ما يؤكّد رغبتهما في تقديم الهويّة الجديدة لكرتي بلديهما، في واحدة من أهمّ الاختبارات الاعتباريّة في المنطقة، وتجري معالجة الوضع الفني لكليهما بعد هزيمتهما (0-2) و(1-2) من السعودية والبحرين على التوالي، حسب ما وعد مدرباهما التشيكي ميروسلاف سوكوب والأرجنتيني رودولفو أروابارينا، بعد انتهاء استراحة الفرق اليوم الأحد.

وشتّان ما بين حاضر فريقي العراق والكويت وماضييهما.. حكاية سطّرتها كوكبة من نجوم سبعينيّات القرن الماضي، جيل علي كاظم وفلاح حسن وأحمد صبحي وعادل خضير وهادي أحمد وحسين سعيد، ونظرائهم في الكويت جاسم يعقوب وأحمد الطرابلسي وعبد العزيز العنبري وفيصل الدخيل وفتحي كميل ومحبوب جمعة وغيرهم، بمثابة الإرث الإنساني الفاخر لبطولة الدوحة الرابعة عام 1976، يوم شارك العراق لأوّل مرّة وأشعل المدرّجات برباعيات وسباعيات مزّقت شباك الفرق، فما بالهما اليوم وهُما يعجزان عن إعادة الهيبة لكرتهما في البطولة 25، بعد أن سقط الأسود في فخّ التعادل أمام فرسان برانكو، فيما فشل "الأزرق" في إبطال مفعول مصباح القطري (علاء الدين)، وخرج مطأطأ الرأس من موقعة الميناء! 

وحدهُ الجمهور البصري (بطل البطولة) يسرقُ الأضواء الخليجيّة يوميًّا بمبادرات عفويّة تجلّت فيها أصول الحفاوة المجتمعيّة بالأشقاء، ولم يترك أهل أي بيت في البصرة الزائرين من بلدان الخليج واليمن إلا وأصرّوا أن يضيّفوا الوافدين على موائد كرمهم، ويُعرّفوهم بتاريخ المدينة، وما مرّوا به من تحدّيات عصيبة لم تثلم من صلابة معنويّاتهم في إنجاز تحدّيات خليجي 25، وصولاً إلى يوم افتتاح البطولة الموعود بلوحات فنيّة مُذهِلة، رفعوا فيها أعناقهم، لتطول كل نَخْل البصرة المُتباهي بأمان فوق ضفاف شطّ العرب.

شارك: