الإمام واللقطة "السوبر"

تحديثات مباشرة
Off
2023-05-10 15:48
بيراميدز خاض مباراة السوبر المصري أمام الأهلي بعد اعتذار الزمالك (facebook./Pyramidsfc)
علاء عزت
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يوما ما قال المؤرخ الرياضي الإنجليزي البروفسور مات تايلور في مقالة شهيرة له في صحيفة "ديلي ميل" الإنجليزية الشهيرة: "بعد الوطن والدين، المؤكد أنه لا يوجد شيء في العالم يحبه الانسان لدرجة الجنون ويقاتل من أجله ويضحي بالمال وربما النفس والروح قربانا لها سوى تلك الساحرة المستديرة، كرة القدم، التي تسحر القلوب والألباب".

استدعيت تلك المقولة من ذاكرتي، عندما تسمرت الكاميرات التي كانت تجوب المدرجات بين الحين والحين لاصطياد أجمل اللقطات على هامش مباراة كأس السوبر المصري بين الأهلي وبيراميدز التي احتضنها ملعب "محمد بن زايد" بمدينة أبو ظبي الإماراتية الجمعة الماضية، أمام مشجع مختلف، رجل في الأربعين من عمره فاقدا لنعمة البصر يرتدي قميص الأهلي الأحمر، وحاملا في يده جهاز الراديو يستمع من خلاله للوصف التفصيلي للمباراة ويتفاعل مع أحداثها المثيرة بكل مشاعره وأحاسيسه، على الرغم من الصخب الجماهيري من حوله.

لقطة خطفت أنظار الملايين وعقولهم وقلوبهم التي كانت تتابع المباراة، صرخ صديق كان بجواري قائلا: "يا إلهي.. معقولة كل هذا الانتماء؟"، ورد عليه صديق آخر: "هو في حب كدة!"، وابتسمتُ وأنا أنظر إليهما وقلت لهما: "دي لقطة السوبر". لقطة كانت القاسم المشترك الأعظم في احتفالات جماهير الأهلي عبر كل منصات التواصل الاجتماعي.

وكان السؤال من هذا الرجل؟ من يكون هذا المشجع الوفي؟ علامات استفهام كانت وسائل الإعلام تطاردها، وقبل أن تنقضي ليلة السوبر كانت الإجابات كلها حاضرة، وكشفت النقاب عن بطل المشهد، وصاحب اللقطة السوبر، إنه الشيخ المصري محمد حسن إمام أحد المساجد الكبرى في أبو ظبي، وبعدها رأيت تلك اللقطة السوبر تزين غلاف جريدة "الأخبار بريل" المصرية التي تصدر للمكفوفين، قبل أن يتكرر ظهوره في عدد من البرامج الرياضية عبر مداخلات بالصوت والصورة.

وهنا يحضرني مقولة أخرى لأسطورة المدربين العالميين، الإيطالي أنشيلوتي، عندما سئل وهو يقف داخل الملعب يحتفل بعد انتصار حققه عن رأيه فيما وصف بخيانة عدد من النجوم لأنديتهم، وتركها من أجل البحث عن المال والشهرة في أندية أخرى، قد تكون غريما لناديه، ابتسم المدرب الكبير، وأجاب بجملة واحدة: "الوفاء والانتماء الحقيقي لا تجدهما إلا هنا، وأشار إلى المدرجات".

وأكثر ما أحزنني هو شعوري المسبق بالعجز عن عدم القدرة على جمع كل قصص الوفاء الجماهيري لكثرتها، ومعظم تلك القصص ماتت ودفنت كواليسها مع رفات أبطالها ولعل أقربها واقعة مصرع مشجعة نادي الرجاء المغربي، نورا الزبيري، قبل أسبوعين نتيجة التدافع الجماهيري الذي حدث أمام بوابات "مركب محمد الخامس" بالدار البيضاء، قبل انطلاق مباراة فريقها أمام الأهلي المصري في بطولة دوري الأبطال الأفريقي، ماتت نورا مرتدية قميص الوفاء لناديها.. رحلت عنا مرتدية القميص الأخضر.

الشيخ  الأهلاوي "الكفيف" هو أحد النماذج الحية لنجوم المدرجات الذين يجسدون بقوة الانتماء إلى أعظم ملاحم التضحيات، وروى الإعلام العالمي العشرات بل المئات من تلك الملاحم، وسجل لنا قصصا وحكايات عن جنون الانتماءات.. أتمنى أن استعرضها معكم في سلسلة مقالات قادمة.. إن شاء الله.

شارك: