الأندية المغربية بين مطرقة التسيير الهاوي والأزمات المالية
مع انطلاق الموسم الكروي المغربي، أود أن أشير إلى ما يعرفه الدوري المغربي من رجّات عنيفة على مستوى أرضيته وتضاريسه، فإذا كانت البنيات التحتية قد عرفت ثورة حقيقية، فإن مواكبة الأندية لهذا التطور لا ترقى إلى ما يصبو إليه الجمهور والمهتمين والقائمين على الشأن الرياضي المغربي شكلًا وموضوعًا، إذن ما المعوقات التي وقفت عثرة أمامه؟
أولى هذه المشكلات التي نخرت كرتنا، هي المشكلة المالية فأغلب الأندية وحتى الكبيرة منها تعاني من مشاكل مالية بسبب تراكم الديون، التي ظلت عالقة بذمتها منذ سنوات، وأثرت سلبًا على خزينتها المالية رغم أنها تتفاوت من فريق لآخر، سواء على مستوى الديون أو الخصاص المالي، والسيولة اللازمة لمواجهة كل المتطلبات.
فبداية الأزمة كشفتها جائحة كورونا، ومعها كشفت حقيقة مسيري الأندية الوطنية، هذا الوباء عرّى جانبًا آخر من سوء التدبير، وكذا التعامل مع الأحداث بعد توقف الأنشطة الكروية، إذ كان الفيروس الشماعة التي علق عليها مسيرو الأندية الوطنية عجزهم عن الالتزام بمسؤولياتهم تجاه اللاعبين.
وتعيش اليوم الأندية خصاصًا ماليًا خطيرًا، إذ ما زالت أغلب الأندية تتستر وراء خيوط أَوْهَن من خيوط العنكبوت، بحجة أن وباء كورونا ما يزال يرخي بظلاله ما تزال ندوبه مؤثرة.
فغياب الحكمة في التسيير والتدبير للأمور المالية الذي تعرفه الأندية، ناهيكم عن ضعف الموارد المالية أمام ارتفاع النفقات، خاصة على مستوى التعاقدات التي تبقى واحدة من أسباب تفشي ظاهرة الديون، لكون معظم لاعبي الأندية باتوا يتقاضون أكثر مما يقدمونه.
والأدهى من هذا، أن الأندية تسقط في نفس الأخطاء، وتبرم تعاقدات جديدة كلما افتتح الميركاتو أبوابه، بصفقات مع لاعبين دون دراسة مسبقة أو قراءة متأنية، لتفادي العواقب المالية الوخيمة التي تتكبدها جراء الصفقات الفاشلة، والخسائر المالية التي تزيد من تعميق جراح الديون، بدافع الخوف من الانتقادات اللاذعة من جماهير الأندية.
أضحى الاتحاد المغربي واللجان المختصة في مراقبة مالية الأندية، صارمين أمام العبث الذي تعيشه أغلب الأندية من حيث التعاقدات، (بعدم التأشير عليها وتركها كالمعلّقة) رغم الديون الكبيرة التي تطاردها.
ولم تمنع الوضعية المالية المزرية لهذه الأندية من اللهث وراء جلب اللاعبين والمنافسة في سوق الانتقالات كلما فتح أبوابه، يمينًا ويسارًا، ومهما كلف ذلك من مبالغ مالية، قد تكون في بعض الأحيان ضخمة، إذ غرقت بالديون المحلية والخارجية بأحكام قطعية من السلطة الرياضية الدولية الأعلى (فيفا)، الوداد نموذجًا لذلك.
وهذا ما جعل رئيس الاتحاد المغربي، فوزي لقجع، يصرح أن: "هذا الموسم انطلق في إطار مؤسساتي مع الشركات الرياضية"، لأن الشفافية والحكامة الجيدة هي النتيجة الطبيعية للتدبير الرياضي الجيد، ومن هنا وجب التفكير جديًا في كل من يرشح نفسه لرئاسة أي نادٍ، أن تتوافر فيه الاحترافية والاختصاص، لأن هناك تقاطع بين الممارسة الاحترافية والتيسير الهاوي.
وكان من الأجدر، أن يطبق الاتحاد المغربي القانون من البداية بمنع أي فريق عله ديون متراكمة، وعدد كبير من الملفات لدى لجنة النزاعات، ليس فقط بحرمانه من إيرادات النقل التلفزيوني فقط بل ومنعه من إبرام أي تعاقد، قبل تأدية ديونه، خاصة أن الاتحاد المغربي قرر أن يسلك هذه الطريقة سابقًا، لكنه تراجع عنها في وقت ما.
والأنكى من هذا أن العبث في التدبير المالي مع الأسف يتواصل، والأزمات المالية تضرب رقاب الأندية، واللاعبين ما زالوا يشتكون عدم صرف مستحقاتهم، فدخول عهد الشركات قد يحدَ من هذا العبث، ليُحمِّل الرؤساء مسؤولياتهم للدفع بعجلة الكرة، بدل انتظار الهبات والهدايا والأفكار من الاتحاد المغربي.
فأغلب الأندية تفتقد للحس التسويقي وعقود الإشهار، وتقتصر على صفقات لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تكفي لسد احتياجات النادي.
الإشهار هو وسيلة أخرى لمواجهة الديون، ويساعد على سد وتجاوز مجموعة من الإكراهات، لكن هذا الجانب لا يستغل بالشكل الجيد، رغم الطفرة التي عرفتها الكرة المغربية، وتألقها على الصعيد الأفريقي، وهنا يتأكد أن الأندية لا تساير إيقاع الاتحاد المغربي في طريقة تدبير المنتوج الكروي والمجهودات التي تقوم بها لتأطير اللعبة على المستوى المالي، فكان من الطبيعي أن تسقط الأندية في فخ عدة إكراهات مالية أبرزها الديون.
إن خلق شركات يروم بالأساس على فتح الباب أمام المستثمرين الخواص لدعم كرة القدم الوطنية عبر ضخ الأموال في شرايينها، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، ومن الصعب في الوقت الحالي العثور على شركات مستعدة للاستثمار في الرياضة، لأن الشركة عمومًا تبحث عن الربح، لا عن تشجيع النشاط الرياضي.
ألا توجد منهجية واضحة للأندية؟ ألا يوجد صاحب قرار في الأندية يضع أهدافًا منطقية وواضحة ويحاسب عليها كل مقصر؟.. أتمنى ذلك، لكن من الشركات (المنقذ والخلاص).