"الأرجنتين - إيطاليا".. ميسي والبابا والبيتزا وقواسم أخرى!
تبعد الأرجنتين عن إيطاليا نحو 7300 ميل على الخريطة، ورغم ذلك التباعد الجغرافي يمكن اعتبار البلد اللاتيني بمثابة مقاطعة إيطالية بامتياز، بالنظر إلى مظاهر الحياة من مأكل وملبس وأدب ومسرح، فلا يمكن التفرقة بين بوينس آيريس وروما إلا قليلا، هناك ثقافة إيطالية مزدهرة في الأرجنتين وقواسم تاريخية مشتركة جعلت من البلدين عرقًا واحدًا يتسم بنفس الصفات والطباع، بل امتد حتّى إلى أسماء الأشخاص.
إيطاليا والأرجنتين.. 2021 عام العودة وحسن الختام
قبل أن نستطرد في الارتباط الإيطالي الأرجنتيني من الناحية الديموغرافية، فإنه يجب التنويه بأن عام 2021 شهد عودة العملاقين إلى الساحات ومنصات التتويج الدولية، فظفرت إيطاليا بكأس أمم أوروبا للمرة الأولى منذ 1968 وبعد إخفاق في نهائي 2012 أمام إسبانيا، بينما نجحت الأرجنتين أخيرًا في كسر النحس الذي لازمها في نهائييّ 2015 و2016، وجلبت الكأس الأولى منذ عام 1993.
يمكن لليونيل ميسي أن يعتزل الآن بقلب مرتاح بعد أن فاز بأول مسابقة مع "الألبيسيلستي" على الإطلاق، فيما تمكن الثنائي العجوز ليوناردو بونوتشي وجورجيو كيليني أخيرًا من حمل كأس بطولة دولية مع الآتزوري، في أيامهما الأخيرة على العشب الأخضر.. دعونا نعرف كيف بدأت الأمور؟
كيف بدأت القصة الأرجنتينية الإيطالية؟
هربًا من الحروب المدمرة والمعيشة المتردية بين عامي 1910 و1950 سافر إلى الأراضي الأرجنتينية 3 ملايين مهاجر إيطالي (نصف إيطالييّ المهجر)، وجدوا في البلد حديث النشأة موفور الثرواث هادئ الحراك، بيئة ملائمة للإقامة والاستقرار.
ومع التدفق المستمر والهجرات المتتالية تغيرت التركيبة السكانية للأرجنتين إلى الطابع الإيطالي، إلى درجة أن 30 مليون مواطن أرجنتيني في الوقت الحالي من أصول إيطالية، أي ما نسبته 65% من إجمالي السكّان.
الطليان هم العمود الفقري للمجتمع الأرجنتيني ويطلق عليهم مصطلح "تانو" وهي اختصار لكلمة "نابوليتانو" التي ابتكرها أهل مدينة نابولي للإشارة إلى الأرجنتينيين من أصل إيطالي. تلك الهجرات بدأت من القرن الـ15 لكنها بلغت أوجها مع بداية الحرب العالمية الأولى.
اللغة الإسبانية سائدة في أمريكا الجنوبية.. ولكن!
عطفًا على الاحتلال الإسباني للقارة الأمريكية الجنوبية في أواخر العصور الوسطى حتى العصر الحديث، فإن كل البلاد تقريبًا تتحدث الإسبانية ما عدا البرازيل، لكن مع ذلك يمكن ملاحظة أن الأرجنتنيين تأثروا بطريقة أو بأخرى بالمصطلحات الإيطالية لتتطور اللغة مع الزمن إلى العصر الحالي الذي صارت فيه مزيجًا بين الإسبانية والإيطالية أو ما تُسمّى "lunfardo" وهي اللهجة العامية بمعنى آخر.. لقد تفوّق المهاجرون الطليان على المستعمرين الإسبان، هذه ضربة اجتماعية غير مسبوقة.
يقول الكاتب الأرجنتيني خوسيه غوبيلو إن نصف الكلمات اليومية المستخدمة هي في الأساس إيطالية، وضرب مثلًا بكلمة "femmina" التي تعني امرأة بالإيطالية، ويقابلها "mina" في لهجة أهل العاصمة بوينس آيريس، مصطلح "lunfardo" تم صياغته من قبل محققي الشرطة في القرن الـ19 حين اكتشفوا أن اللصوص يستخدمون كلمات غريبة للتواصل في ما بينهم مزجت بين الإيطالية والإسبانية لتحاشي قبضة الشرطة، لونفرادو تعني بالإسبانية "لص". هذه قصة نشأة اللهجة العامية في الأرجنتين.
أرجنتينيون من أصل إيطالي
يعج التاريخ الأرجنتيني الحديث بأسماء من نخبة المجتمع لديهم أصل إيطالي، أبرزهم على الإطلاق أسطورة كرة القدم ليونيل ميسي وبابا الفاتيكان فرانسيس الأول، وهناك أيضًا ليوبولدو غالتييري رئيس الدولة وقائد الجيش أثناء حرب الفوكلاند مع إنجلترا.
هناك أيضا المدربان دييغو سيميوني ومارسيلو بييلسا، اللاعبان السابقان للمنتخب الأرجنتيني خافيير زانيتي وسباستيان كامبياسو، اللاعب الحالي جيوفاني لوسيلسو وإيزاكيل لافيتزي، والآلاف من العلماء والأدباء والممثلين والرياضيين. تكفي الإشارة إلى أن جماهير المنتخب الإيطالي شجّعت الأرجنتين ضد منتخب بلادها من أجل دييغو أرماندو مارادونا، لأن هناك ارتباطا عاطفيا تاريخيا بين الشعبين لا مثيل له.
المطبخ الإيطالي يغزو الأرجنتين
نقل الإيطاليون طعامهم إلى البلاد الجديدة التي استقروا فيها، بالأخص البيتزا والمعكرونة بجميع أنواعها، وقد لاقت قبولًا ورواجًا كبيرًا من الأرجنتينين الذين وجدوا بديلًا من نظامهم الغذائي التقليدي القائم على اللحوم الحمراء، يمكن قراءة أسماء محلات الطعام الإيطالية في كل شوارع الأرجنتين بكثرة، قائمة الطعام هي نفسها التي تُقدّم في روما ونابولي وميلانو.
هل كان بإمكاننا ألّا نستغل تتويج إيطاليا والأرجنتين باليورو والكوبا من دون أن نشير إلى هذا الرابط التاريخي والعرقي والثقافي بين الشعبين؟