ألعاب القوى المغربية.. رحلة طويلة لاستعادة المجد
الكاتب: مسعود علّال
كانت رياضة ألعاب القوى تمثّل واجهة الرياضة المغربية في فترة تسعينيات القرن الماضي ومطلع الألفية والقاطرة التي قادت النجاح المغربي وتألقه على المستويين القاري والعالمي، من خلال الألقاب والميداليات التي أحرزها نجوم كثر على غرار السعيد عويطة ونوال المتوكل وهشام القروج وخليد السكاح وجواد الغريب ونزهة بيدوان وغيرهم.
سقطت "أم الألعاب" المغربية في وحل النتائج السلبية وتراجع المستوى منذ قرابة 15 سنة، غاب فيها المغرب عن منصات التتويج في البطولات العالمية والأولمبية، ما يطرح تساؤلات عديدة بشأن هذا التراجع الرهيب.
وكانت بطولة العالم التي احتضنتها العاصمة القطرية الدوحة في نهاية العام الماضي شاهدا آخر على استمرار تراجع ألعاب القوى المغربية رغم تاريخها العريق، إذ اكتفت بميدالية برونزية فقط نالها سفيان البقالي في اختصاص 3000 متر موانع.
ويعدّ البقالي أبرز العدّائين المغاربة على الإطلاق في الوقت الحالي، خلافا لما كان عليه الحال في السابق بفضل أسماء لامعة مثل القروج وعويطة والمتوكل، إذ يحتل المغرب المركز الـ19 في جدول ميداليات بطولات العالم على مدار التاريخ برصيد 30 ميدالية منها 10 ذهبيات، و12 فضية، و8 برونزيات.
وبالرغم من الإخفاق المتواصل لرياضة ألعاب القوى، إلا أن الوضع ظل على حاله دون أن توجد الحلول الناجعة لتدارك الأمور، ومن أبرز المشاكل التي تسببت في هذا السقوط المريع، هي سوء الإدارة الفنية والضغوط التي تحاصر الرياضيين، وافتقاد تطبيق المناهج العلمية الكفيلة بـ"صناعة" الأبطال بالرغم من وفرة المواهب التي لم تجد من يصقلها ويوجهها نحو الأفضل وفق استراتيجية صحيحة.
غياب الميداليات الذهبية
غابت الميداليات الذهبية عن المغرب في البطولات العالمية والدورات الأولمبية منذ بطولة العالم 2005 في العاصمة الفنلندية هلسنكي التي شهدت تتويج جواد الغريب في سباق الماراتون، بينما اكتفى المغرب في بطولة العالم 2019 في الدوحة بميدالية برونزية عبر العدَّاء سفيان البقالي، في بطولة شهدت مجموعة من المشاكل أبرزها انسحاب عدَّائين، واستدعاء آخرين غير جاهزين، فضلا عن حدوث ملاسنات وتبادل الاتهامات بين الإدارة الفنية والرياضيين.
كما تعود آخر ميدالية ذهبية أولمبية حصل عليها المغرب إلى دورة أثينا 2004 التي شهدت تتويج هشام القروج بميداليتين ذهبيتين إضافة إلى ميدالية فضية عبر حسناء بنحسّي، واكتفى المغرب بعدها بميداليتين: فضية وبرونزية في دورة 2008 في بكين، وأخرى برونزية في دورة 2012 في لندن، وغابت الميداليات عن المغرب في هذه الرياضة في دورة 2016 بالبرازيل، وذلك لأول مرة منذ عام 1984.
واتفقت آراء العديد من المختصين والمتابعين برياضة ألعاب القوى في المغرب على أن أبرز أسباب تواصل إخفاقات الرياضيين المغاربة في البطولات العالمية والأولمبية، هو استمرار رئيس اتحاد ألعاب القوى عبد السلام أحيزون في منصبه منذ العام 2006، بالرغم من فقدان هذه الرياضة لبريقها طيلة فترة إدارته لشؤون الاتحاد. وتعالت أصوات كثيرة مطالبة بضرورة رحيله، بسبب عدم إلمامه بالجوانب الفنية والتنظيمية لهذه الرياضة، كونه يشغل منصب رئيس شركة اتصالات في المغرب.
فضائح المنشطات
وبالمقابل حصر البطل العالمي والأولمبي السابق سعيد عويطة أسباب التراجع المغربي في عوامل عدة، وقال في تصريحات سابقة لجريدة "المساء" المغربية إن أبرز هذه العوامل هي ضعف كفاءة المسؤولين والمدربين وعدم توفّرهم على الخبرة، وكذلك سوء التقدير والتخطيط، بالإضافة إلى انعدام وجود رؤية مستقبلية واضحة واستراتيجية هادفة.
وازداد الوضع سوءا بعد تورط ألعاب القوى المغربية في فخ المنشطات في السنوات الماضية، إذ تم إيقاف الكثير من العدائين لفترات وصلت إلى 8 سنوات على خلفية وقوعهم في تعاطي مواد محظورة، وشهد العام 2016 على سبيل المثال إيقاف 7 رياضيين ثبت تعاطيهم للمواد المنشطة، ما تسبب في تلطيخ سمعة ألعاب القوى المغربية على المستوى الدولي.
وبالرغم من إسقاط المغرب من القائمة "السوداء" للدول المتورطة في تعاطي المنشطات وتصنيفه ضمن قائمة الصف الثاني بجانب دول مثل فرنسا وكندا، تم تناول هذه القضية من طرف وسائل إعلام عالمية، حيث بثت قناة "أي أر دي" الألمانية في العام الماضي تقريرا عن هذه المسألة واصفا المغرب بـ"جنّة المنشطات" وملجأ الرياضيين الراغبين في تناول المواد المحظورة رياضيا.
وستكون دورة الألعاب الأولمبية المرتقبة في طوكيو في صيف العام المقبل، بمثابة تحدّ جديد لرياضة ألعاب القوى المغربية قصد محاولة العودة إلى التتويج بالذهب الأولمبي، إلا أن الأمر سيكون صعبا جدا، بالنّظر إلى قوة البطولات العالمية التي تتطلب مستوى عاليا من التخطيط والتحضير على المدى الطويل.