أحمد فؤاد نجم: يا أهلي يا حبّي يا حتّه من قلبي!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-05-20 21:11
الأهلي المصري زعيم القارة السمراء تأهل للمرة الرابعة تواليًا إلى نهائي دوري أبطال أفريقيا (Twitter/AlAhly)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

«هما مين واحنا مين، هما الأمرا والسلاطين، هما المال والحكم معاه، واحنا الفقرا المحكومين، حزر فزر شغل مخك، شوف مين فينا بيحكم مين، احنا مين وهما مين، احنا الفعلا البنايين، احنا السنة واحنا الفرض، احنا الناس بالطول والعرض، من عافيتنا تقوم الأرض».

بهذه الهيئة الموغلة في البساطة، واللغة التشريحية للفوارق الطبقية، وانعدام العدل والمساواة، وتسيّد طبقة الحكّام والمتمولين والفاسدين في كثير من البلاد العربية، عمّر الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم (1929/2013) جبالاً شاهقة من الذكريات والقصائد، خاصة لدى الشراكة الآسرة مع الشيخ إمام، الذي حوّل قصائده المحكية إلى أناشيد للفقراء والمظلومين على هذه الأرض.

الوطن كان المعتقل، وأشهر القصائد كتبها في السجون، كما أن مجده بُني على شقين: هجاء الرؤساء والملوك والسلاطين، والانتماء المطلق إلى الفقراء والمحتاجين وقضاياهم. حتى في موته قصة درامية موغلة في الأثر، عندما فاز بجائزة «الأمير كلاوس للثقافة» في هولندا، وتبلغ قيمتها نحو 100 ألف يورو.

ذهب إلى البنك برفقة صديقه رشدي جاد، وطلب كشفًا لحسابه، ثم وضع غالبية أمواله في مشفى أطفال لعلاج السرطان، ووزع الباقي على أولاده، وأخذ مبلغًا بسيطًا وزّعه وهو في طريق عودته إلى البيت، حتى إن كلّ ما زاد معه أعطاه لسائق التاكسي، وعندما استغرب من المبلغ الكبير قياسًا لأجرته، قال له نجم: "هذا رزق العيال"، وعلى الرغم من محبته لصوت أم كلثوم، لكنّه هجاها بقسوة في قصيدة «كلب الست»، عندما عضّ كلبها أحد المارة وأوقفته الشرطة فوق ذلك، "كرمى لعيون كلب الست!"، كما أنه رفض أن يكتب لها أغانيَ رغم طلبها منه.

مات أحمد فؤاد نجم «شاعر الغلابة» وهو مغرم بكرة القدم. حرفيًا كان يقول بعاميته المحببة ونبرته الغائرة في قلب الشارع: "الكورة واكلة دماغي، وباتفرج على ماتشات عمال على بطال زي اللي ماشافش كورة من خمسين سنة". لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل وصل لكونه صديقًا مقرّبًا لعدد كبير من نجوم البساط الأخضر، مثل حمدي نوح. ولشاعرنا الكبير قصة طويلة مع الكرة، تبدأ من الستينيات ولم تنته حتى مع جيل عماد متعب وأبو تريكة وشيكابالا.

وكما كان في كلّ حياته ونتاجه ومنطق عيشه، كان أيضاً في انتمائه لجمهور الدرجة الثالثة، الذين يعد نفسه واحداً منهم، ويرى أن هؤلاء دونًا عن جمهور المقصورات والمنصّات، هم متعة الكرة الحقيقية، فالغلابة الذين يزحفون من كل صوب، حاملين الطبل والرق ويرتدون قمصان اللاعبين، هم الصنايعية والعمال والموظفون الذين ينتظرون موعد المباريات كي يعيشوا لحظات متعة وفرحة تجافي هموم حياتهم اليومية، ومن مدرّجاتهم تصاغ القصص الملهمة في المحبة والانتماء لفرقهم!

لم تتوقف مسيرة «الفاجومي» عند المعتقلات والسجون، ولا مناصرة الفقراء والمظلومين. بل تعدّت ذلك إلى عشق  الساحرة المستديرة، التي لن يكون هناك أمهر منه ليحكيها ببراعته المعتادة عن سبك الحكايا. القصة بدأت مع صعود قطبي الكرة المصرية وتألقهما؛ أي الأهلي والزمالك، ومع خصوصية الكابتن محمد لطيف، الذي قدم الكرة للمصريين من خلال برنامج رياضي في التلفزيون المصري، حين كان هذا في بداياته، وهو ما صنع قيمة مضافة لشعبية اللعبة في مصر، لدرجة أنها أصبحت خبز يومهم، ومفردة أساسية في حياتهم، وتعلقت عيون الناس بنجوم الكرة لدرجة أن تلك الظاهرة شغلت علماء الاجتماع، وتعددت اجتهاداتهم وتفسيراتهم وأقيمت الندوات، بينما كان الناس يواصلون الفرجة والتشجيع بإصرار واستمتاع.

ومع هزيمة 5 يونيو/ حزيران 1967 العسكرية المهينة، يقول نجم: "انقطعت المتعة، وغاب جيل كامل من نجوم الملاعب، أذكر منهم الآن المايسترو صالح سليم ورفعت الفناجيلي وحمادة إمام ونبيل نصير وعصام بهيج وسمير قطب ورضا وشحته والعربي وأنوس والجوهري والشربيني وشحته الإسكندراني، وعادل هيكل ورأفت عطية وطه إسماعيل، وأمين رشديوالديبه وسعد راشد وعلاء الحامولي".

ويرى نجم أنه رغم وجود اللعبة وشعبيتها خلال فترة السبعينيات الثمانينيات، فإن الصحوة الكروية في الشارع لم تعد كما كانت إلا بعد وصولنا إلى كأس العالم: "الكابتن محمود الجوهري فكر الناس بالكورة تاني، ووصلنا معاه (المنتخب المصري) لنهائيات كأس العالم في إيطاليا سنة 1990، واحنا اليومين دول في صحوة كروية..

وها هي الإثارة تعود إلى الدوري المصري، ودي أهم عناصر المتعة والإثارة في المجنونة بنت المجنونة، كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم رغم أنف الألعاب الأرستقراطية، وأي حد بيتفرج على الكورة المصرية دلوقتي لازم حيشم عطر أبو تريكة وبركات والحضري وحسني عبد ربه وشيكابالا وعماد متعب وعمرو زكي، لكن أنا رأيي إن دول فعلاً جيل ذهبي على المستوى المحلي والقاري، لكن دول مجرد بداية لإبداع مصري قادم بقوة في إمبراطورية «الفيفا»، عشان يعيد ترتيب الأوراق ويضع الأمور في نصابها، لأننا تاني دولة مارست لعبة كرة القدم في التاريخ المعاصر بعد إنجلترا الدولة الأم التي اخترعت اللعبة، يعني اللي إحنا فيه دلوقتي أقل من حقنا بكتير، لكن احنا نقدر بإذن الله، ومصر ولادة، وهنشوف عشرين أبو تريكة، وخمسين من كل من بركات وحسنى عبد ربه وشيكابالا".

وعلى الرغم من أن الانتماء كان للمنتخب المصري أوّلاً وأخيرًا، لكن نجم كان أهلاويًا بامتياز، يمكن له أن يبرع في مديح الفريق عند الفوز، ويشنّ عليه موجة تهكّم وسخرية وانتقاد لدى الخسارة! عدا عن عشقه الصريح للجمهور وحده دونًا عن غيره، وغرامه بالهتافات التي تهزّ الملعب، لدرجة أنه كان يحفظ عشرات الهتافات والأغاني التي صنعها جمهور القميص الأحمر! ويصيبه في عمق وجدانه هتاف: "يا أهلي يا حبّي يا حتّة من قلبي"، لدرجة أنه اختار هذا الهتاف عنواناً لكتاب له، واختار أن يخلّده بطريقة أكثر عمقاً من مجرّد هتاف جمهور. كذلك فقد ابتكر هو نفسه بعض الهتافات. وفي الكتاب ذاك يحسد أبو نجم نجوم الكرة الجدد الذين كان هذا الهتاف لهم.

شارك: