رمي الجمرات في الحج شعيرةٌ عميقة ورياضة روحية وبدنيّة

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-07-01 23:54
حجاج يرمون الجمرات بمشعر منى (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يَرمي حجّاج بيت الله الحرام في أيَّام التَّشْريق؛ الجمرةَ الصُّغرى، ثمَّ الجَمرةَ الوُسطى، ثمَّ الجمرةَ الكُبرى، كلَّ جمْرةٍ بسبعِ حَصَياتٍ، وذلك في اليومِ الحاديَ عَشَرَ واليومِ الثاني عَشَر واليومِ الثالثَ عَشَر من شهر ذي الحجة.

ورمي الجمرات من واجبات الحجّ، فقد أخرج البخاريّ ومسلم عن جابِرِ بنِ عبدِ الله رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: "رمى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الجمرةَ يومَ النَّحرِ ضُحًى، وأمَّا بعدُ فإذا زالَتِ الشَّمسُ".

كما أخرج أبو داود بسند صحيح عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: "أفاضَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن آخِرِ يَومِه حين صلَّى الظُّهرَ، ثمَّ رجعَ إلى مِنًى فمَكَثَ بها لياليَ أيَّام التَّشْريق، يرمي الجَمرةَ إذا زالَتِ الشَّمسُ، كلَّ جمرةٍ بسَبْعِ حَصَياتٍ، يُكَبِّرُ مع كلِّ حَصاةٍ، ويقِفُ عند الأولى والثانية فيُطيلُ القيامَ ويتضَرَّعُ، ويرمي الثالثةَ ولا يقِفُ عِندَها".

ما يزيد على ألف طنّ من الجمرات يتمّ رميها سنويًّا خلال موسم الحجّ، يأخذ الحاج الحصى من منى، وإذا أخذ حصى يوم العيد من المزدلفة فلا بأس، وهي سبع يرمي بها يوم العيد جمرة العقبة، ولا يشرع غسلها، بل يأخذها من منى أو المزدلفة ويرمي بها أو من بقية الحرم يجزئ ذلك ولا حرج فيه.

وأيام التّشريق يلقطها من منى كلّ يوم 21 حصاة، إن تعجل 42 لليوم الحادي عشر والثاني عشر، وإن لم يتعجل فـ63، وهي من حصى الخذف تشبه بعر الغنم المتوسط فوق الحمّص ودون البندق، كما قال الفقهاء، وتسمى حصى الخذف فهي أقل من بعر الغنم قليلًا.

وإنّ جمعَ هذه الحصيّات جهدٌ بدني يتجشّمه الحاجّ وهو ضربٌ من ضروب الرياضة النفسيّة والبدنيّة؛ فهو رياضة نفسيّة إذ يتطلب من الحاج الصبر والتبصر في أثناء عمليّة جمع الحصى، بحيث تكون مطابقة للمواصفات فلا هي صغيرة ولا كبيرة وهذا يتطلب حضورًا ذهنيًّا مع صبر على الزحام والجهد المبذول في البحث، وهو أيضًا رياضة بدنيّة إذ إن عمليّة جمع الجمار تتطلب حركة وانحناء وتكرارًا لهذه العمليّة مرات عديدة.

وعند رمي الجمرات يستحضر الحاجّ الحكمة من رميها، وقد ذكر جمع من أهل العلم أن الحكمة في ذلك إهانة الشيطان وإذلاله وإرغامه وإظهار مخالفته؛ لأنه عرض لإبراهيم عليه الصّلاة والسّلام حين أراه الله ذبح ابنه إسماعيل، ولكن من المقرر عند أئمة العلم أن الحكمة لا بدّ أن تثبت بدليل واضح من كتاب أو سنة، فإن ثبتت فذلك نور على نور وخير إلى خير، وإلا فالمؤمن يتقبل شرع الله ويعمل به وإن لم يدر الحكمة والعلّة في ذلك، مع إيمانه بأن الله سبحانه حكيم عليم.

وأمّا كيفية رمي الجمرات التي ذكرها الفقهاء، فهي أن يكون الحاجّ على بعد خمسة أذرع فأكثر عن الجمرة التي يجتمع فيها الحصى، ثم يمسك بالحصاة بطرفي إبهام وشاهدة يده اليمنى، ويرفع يده حتى يرى بياض إبطيه، ويقذفها ويكبّر، ويستحبّ عند رمي الجمرات أن يضع الحصاة بين سبّابتي يديه اليمنى واليسرى ويرمي بها، ثم يقطع التلبية مع أول حصاة يرمي بها جمرة العقبة الكبرى يوم النحر، ويشتغل بالتّكبير، فعن الفضل بن عباس قال: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم من جَمْع إلى منى فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة".

وهذه الطّريقة في الرمي تحتاج من الحاج تركيزًا وقوّة وهو يمارسها عشرات المرات مع ترديد التكبير والدعاء الذي يزيد في حماسته، فهذا الرّمي بهذه القوّة وهذا التركيز ينطوي على معنى رياضي بدنيّ ينضم إلى المعنى الرياضيّ الروحي لرمي الجمرات، لتكون شعيرة رمي الجمرات ذات أبعاد رياضيّة روحيّة وبدنيّة يمارسها الحاج امتثالًا لأمر الله تعالى واقتفاء لنهج وسنة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلّم.

شارك: