رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يمارس السّباحة
ليسَ في مكّة المكّرمة بحرٌ ولا أنهار ولا بحيرات، غيرَ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمر أصحابه بتعلّم السّباحة وممارستها.
والذي لا يعرفه الكثيرون أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم تعلّم السّباحة ومارسها في مواضع عديدة في حياته، روحي فداه.
رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمارس السّباحة في الطفولة المبكّرة
عندما ذهب النّبيّ صلى الله عليه وسلّم مع أمّه آمنة بنت وهب إلى يثرب "المدينة" مارس السباحة، والمدينة كانت بيئة زراعيّة فيها السواقي والبرك والآبار المفتوحة التي تتجمع فيها المياه لأجل سقاية الأراضي.
ذكر الإمام السّيوطي في كتابه "الباحة في فضل السّباحة" وأخرج ابن سعد في "الطبقات الكبرى":
"كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أُمِّهِ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ؛ فَلَمَّا بَلَغَ سِتَّ سِنِينَ خَرَجَتْ بِهِ إِلَى أَخْوَالِهِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بِالْمَدِينَةِ تَزُورُهُمْ بِهِ، وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ تَحْضُنُهُ وَهُمْ عَلَى بَعِيرَيْنِ، فَنَزَلَتْ بِهِ فِي دَارِ النَّابِغَةِ، فَأَقَامَتْ بِهِ عِنْدَهُمْ شَهْرًا، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أُمُورًا كَانَتْ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ، لَمَّا نَظَرَ إِلَى أُطُمِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ عَرَفَهُ وَقَالَ: "كُنْتُ أُلاعِبُ أُنَيْسَةَ جَارِيَةً مِنَ الأَنْصَارِ عَلَى هَذَا الأُطُمِ وَكُنْتُ مَعَ غِلْمَانٍ مِنْ أَخْوَالِي نُطَيِّرُ طَائِرًا كَانَ يَقَعُ عَلَيْهِ" وَنَظَرَ إِلَى الدَّارِ فَقَالَ: "هَهُنَا نَزَلَتْ بِي أُمِّي وَفِي هَذِهِ الدَّارِ قُبِرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَحْسَنْتُ الْعَوْمَ فِي بئر بني عدي ابن النَّجَّارِ".
قال الإمام الزّرقاني في كتابه "شرح الزرقاني على المواهب اللّدنية بالمنح المحمديّة" في شرحه للحديث: "وأحسنتُ العوم في بئر بني عدي بن النجار" استدلّ به السّيوطي على أنّه صلى الله عليه وسلم عامَ رادًّا على القائل من معاصريه، الظّاهر أنه لم يعُم؛ لأنّه لم يثبت أنّه سافر في بحرٍ ولا بالحرمين بحر".
إذن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مارس السّباحة في طفولته المبكّرة وهو ابن ستّ سنين، فكان يسبح في بركة لتجميع المياه لأخواله من بني النّجار مع أطفالهم، وكان يستذكر هذه الحادثة مع أصحابه رضي الله عنهم عقب هجرته إلى المدينة ويحدّثهم تفاصيلها.
رسول الله صلى الله عليه وسلّم يمارسُ السّباحةَ عقب الهجرة
وبعدَ أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة أصبحت البيئة مهيّأة لممارسة السّباحة، فسبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع أصحابه.
ذكر السيوطي في "الباحة في فضل السّباحة" والهيثمي في "مجمع الزوائد ومنبع الفوائد" عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: "كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلم وأصحابه يسبحون في غدير؛ فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: ليسبح كلّ رجلٍ منكم إلى صاحبه، فسبح كلّ رجلٍ منهم إلى صاحبه وبقي النّبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر؛ فسبحَ النّبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر حتى عانقه، وقال: أنا إلى صاحبي، أنا إلى صاحبي".
في هذه الحادثة تتجلّى معاني الحبّ والرّفق والملاطفة في ممارسة الرياضة، فرسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو يسبح كان يسبغ كلّ معاني الحبّ على المشهد بين أصحابه، فكانت السباحة ضربًا من ضروب المتعة الممزوجة بمشاعر الحبّ الصّادق دون أدنى تكلّف.
ومن الواضح أيضًا أنّها ليست الحادثة الوحيدة التي سبحَ فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ فقد روى السيوطي في كتابه أيضًا عن ابن عباس رضى الله عنه قال: "نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فدخل في غدير، ومعه أبو بكر وعمر يتمالقان -أي يغوصان ويتغاطسان- فأهوى عثمان رضى الله عنهم أجمعين ناحية رسول الله صلى الله عليه وسلّم فاعتنقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "هذا أخي ومعي"
وهذا مشهد جديد من مشاهد سباحة رسول الله صلى الله عليه وسلّم يفيض بالحبّ واللطف، وكذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلّم مع أصحابه في أحواله كلّها، ويجب أن نتخذه أسوة لنا في كلّ ما نمارسه من رياضاتٍ وأنشطة في حياتنا والسباحة إحداها؛ إذ تكون أجمل وأبهى حين تكون ممزوجة بالحبّ الحقيقيّ الصّادق لكلّ مَن حولَنا.