رسول الله صلى الله عليه راميًا 

تاريخ النشر:
2022-10-26 13:26
صورة من ممارسة رياضة القوس والرمح (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

عندما نتحدّث عن الرّماية فإنّنا نقصد بذلك: "فنُّ التّسديد وإصابة الأهداف المتحرّكة أو الثّابتة باستخدام آلة تطلق أداةً ما، أو بتسديد أداة من اليد مباشرة".

وذلك مثل استخدام القوس في إطلاق السّهام، أو استخدام المسدس والبندقيّة في إطلاق الرّصاص، أو برمي رمح أو حربة من اليد مباشرة باتجاه هدفٍ أو غرَضٍ ثابت، كالتّسديد باتجاه لوح، أو هدف متحرك؛ كإنسان أو طير ونحو ذلك.

وللرّماية أسماء أخرى في اللغة العربيّة، وقد وردت في النّصوص النّبويّة، منها "المُناضَلَة" أو "التّناضُل"، وتختص الرماية بهذه الأسماء في الغالب. 

قال الإمام البغوي: والنّضال: الرّمي مع الأصحاب، وقال الإمام ابن القيم: المناضلة: اسم للمسابقة بالرمي بالنشاب، وهي مصدر "ناضلته نضالًا ومناضلة"، وسمّي الرّمي مناضلة ونضالًا؛ لأن السّهم التام، بريشه وقدحه ونصله، يسمى نضالًا بالضاد "المعجمة"، وعوده قدحًا وحديدته نصلًا.

وقال الإمام الشّوكاني في نيل الأوطار: ينتَضِلون بالضّاد المعجمة: أي يترامون، والنّضَال: التّرامي للسّبق، ونَضَل فلانٌ فلانًا إذا غلبه، وقال في القاموس: نضلَه مناضلةً ونِضَالًا ونيضالًا: باراه في الرّمي، ونضلتُه: سبقته فيه.

والغالب في إطلاق اسم "الرماية" أن تطلق على ما يحصل من رمي باستخدام القوس أو النّشاب التي تستخدم لرمي السّهام، ويُقاس عليها استخدام الآلات الحديثة من مسدّسات وبنادق وقاذفات باختلاف أنواعها، وفي رمي الرصاص والصواريخ والمقذوفات بمختلف أنواعها.

مشاركة النبيّ صلى الله عليه وسلّم في مباراة للرّماية

أخرج البخاري في صحيحه عن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ"، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ" ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ!، قَالَ: "ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ".

يروي البخاري قصّة مباراةٍ في الرّمي تسابَق فيها فريقان من الصّحابة الكرام، فمرّ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فبادرهم بالتشجيع، مبيّنًا لهم أنّ أباهم إسماعيل عليه الصّلاة والسّلام كان راميًا، وبعث في أنفسهم الحماسة، ولم يكتفِ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بتشجيعهم، بل انخرط في المباراة، وشاركهم في الرّمي، وذكر لهم أنّه مع الفريق الفلاني، وعلى الفور توقّف الفريق الآخر عن اللعب، وذلك لسببين؛ الأول عظيم تأدبهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فهم لا يقبلون أن يكونوا في الفريق المقابل للنبيّ صلى الله عليه وسلّم ولو في لعبةٍ رياضيّة أو تدريبية، والثّاني: لقناعتهم أنّهم لن يستطيعوا الفوز على الفريق الآخر ما دام معهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم؛ فقد ورد في رواية الطبرانيّ للحديث أنّهم قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلّم: "مَنْ كُنْتَ مَعَهُ فَقَدْ غَلَبَ"، عندها قال لهم النبيّ صلى الله عليه وسلّم: "ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ".

وقد قال الإمام ابن حجر العسقلاني، معلّقًا على الحديث في "فتح الباري": "أمسَكوا لكون النّبي صلى الله عليه وسلم مع الفريق الآخر خشية أن يغلبوهم، فيكون النّبي صلى الله عليه وسلم مع من وقع عليه الغلب، فأمسكوا عن ذلك تأدّبًا معه.. المعنى الذي أمسكوا له لم ينحصر في هذا، بل الظّاهر أنهم أمسكوا لما استشعروا من قوّة قلوب أصحابهم بالغلبة، حيث صار النّبي صلى الله عليه وسلم معهم، وذلك من أعظم الوجوه المشعرة بالنصر".

ويقول أيضًا: "فيهِ أنّ الجدّ الأعلى يسمى أبًا، وفيه التّنويه بذكر الماهر في صناعتِه ببيان فضله وتطييب قلوب من هم دونَه، وفيه حسن خلق النّبي صلى الله عليه وسلم ومعرفته بأمور الحرب، وفيه النّدب إلى اتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها، وفيه حسن أدب الصّحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم".

أقواس النبيّ صلى الله عليه وسلّم

الأقواس والقِسِيّ جمع قوس، وهي الآلة المعروفة المعدّة للرّمي، وكلّما كان عند المرء أكثر من آلةٍ واحدة لأداء المهمّة ذاتِها، ويطلق على كلّ قوسٍ منها اسمًا خاصًّا بها؛ فهذا دليلٌ على الاهتمام والممارسة.

فكيف إن علمتَ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كانت عنده ستّ قِسِيّ؟

قال ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد": " كَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتُّ قِسِيٍّ: الزَّوْرَاءُ، وَالرَّوْحَاءُ، وَالصَّفْرَاءُ، وَالْبَيْضَاءُ، وَالْكَتُومُ، كُسِرَتْ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَالسَّدَادُ".

وجاء في كتاب "سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي": "أن قوس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كانت تُدعى الكتوم، من نبع، وقيل لها ذلك لانخفاض صوتها إذا رمى بها، وهي التي كسرت يوم أحد، تكسّرت يوم أحد حتى صارت شظايا لكثرة رميه عليه الصلاة والسلام عنها حتى انحاز العدو فأخذها قتادة بن النعمان الظَّفَريُّ".

فرسول الله صلى عليه وسلّم كان يرمي بالأقواس، حتّى تتكسّر وتتحول إلى شظايا متناثرة، ولم يكن يعلّقها للزينة، ولم تكن مجرّد مقتنيات يحتفظ بها من قبيل "البريستيج"، كما يفعل كثيرٌ من الأشخاص من أهل المكانة والمناصب والوجاهة.

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم راميًا، وكان يشارك في مسابقات الرّماية، وكان على نهج أبيه إسماعيل عليه الصّلاة في الرّماية وممارستها، وكانت هذه الممارسة دلالةً على حضور الرّماية في المجتمع الإسلاميّ الأوّل كما لم تحضر غيرها من الممارسات الرياضيّة والتدريبيّة والقتاليّة.

شارك: