العلاقة بين الرّياضة والسّياسة
في هذا العالم المتشابك الذي تحضر السّياسة في كلّ تفاصيله، بل تهيمن عليها، لا يمكن عزل الوضع الرياضي القائم عن عالم السّياسة، والسّياسة كما يعرّفها قاموس علم الاجتماع هي: "تلك العمليّات التي ينطوي عليها السّلوك الإنساني والتي يتمّ عن طريقها إنهاء حالة الصّراع بين الخير العام ومصالح الجماعات، وغالبًا ما تستخدم القوة أو السّلطة في سبيل تحقيق ذلك، كما أنه غالبًا ما يقتصر المفهوم على العمليات التي تتم داخل الإطار النظامي للدّولة".
يجبُ في إطار تحرير العلاقة بين الرياضة والسّياسة، أن نميّز بين نوعين من السّياسة: الأول: السّياسة الداخلية؛ أي داخل حدود الدّولة، والثّاني: السّياسة الخارجية والتي تتّصل بالجهود الدّبلوماسية خارج الحدود.
وفي كتابه القيِّم "الرّياضة والمجتمع" يبيّن الدّكتور أمين الخولي كيفَ يتأثر النّظام السّياسي بالتربية التي تضمّ في رحابها التّربية الرياضيّة والبدنيّة كما تتأثر التّربية عمومًا والرّياضيّة على وجه الخصوص بالنظام السياسي، ذلك لأنّ نفوذ العقيدة السّياسية السائدة أو السّيطرة يصبغ شتّى مناحي الحياة الاجتماعية وأنشطتها بما في ذلك التربية البدنية والرياضيّة؛ ذلك لكونها نظمًا اجتماعية في نسقٍ اجتماعي واحد.
ويعتقد بوكوالتر (Bookwalter) مفكّر التّربية البدنية والرّياضيّة الأمريكي في إطار بيان التأثيرات المتبادلة بين الرّياضة والسياسة أن التّربية البدنية والرّياضة تقدّم معملًا فريدًا متميزًا لبثّ القيم الديمقراطية؛ غير أنه يتحفّظ في ذلك على ضوء تساؤلٍ جدلي مفاده: أيّ الممارسات في التّربية البدنية والرّياضة تلك التي تدعم وتعمل على إتاحة المناخ الدّيمقراطي وتقبُّل مفاهيمه الأساسية.
ونحن إذ نحرّر العلاقة التبادليّة بين الرّياضة السّياسة فلا بد من التنبيه أنّ عهود الاحتلال التي مرت بها المنطقة العربية كان الاستعمار فيها يحارب التعليم لأنه من أهم أساليب اليقظة السياسية التي تؤدي إلى التحرر من ربقة الاحتلال والتخلص من قيوده، فمن خلال التعليم والمعرفة يتعرف المواطن على حقوقه وواجباته السياسية ويتفهم معاني الحرية والديمقراطية والاستقلال والتحرر والتقدم.
وفي أزمنة الاحتلال يحرص المحتلّ على بقاء المناهج مرتبطة به فإذا ما ظلت المقررات والمناهج تستقي محتواها من مصادر ثقافة المستعمر فإن ذلك يعني البقاء في أسر التّبعية الثقافية والمعرفيّة والفكريّة وبالتالي التّبعية السياسية له وهكذا يضمن المحتلّ عدم قدرة الشعوب على التفكير بالتحرّر والنهوض.
ونحن عندما نتحدّث عن علاقة السّياسة بالرياضة فإنّ العنصر الأبرز في هذه العلاقة يتعلّق بالسياسة الدّاخليّة لأيّ دولة ويمكن تحديد إطار علاقة السّياسة الداخلية بالرياضة من خلال تحديد أنماط إدارة النّشاط الرياضي بوصفه أهليًا أو حكوميًا وكونه مركزيًا أو يمارَس في حدود من اللامركزيّة داخل الدّولة، وكذلك علينا ملاحظة وتركيز النّظر على ما تضيفه برامج التربية والرياضة المقررة في أيّ دولة على مستوى المحتوى أو طرائق التّنفيذ من قيم سياسية مرغوبة للمستفيدين من هذه البرامج.
وإذا أردنا أن نحدّد أبعاد العلاقة بين السياسة والرياضة داخل أيّ دولة فعلينا البحث العميق في طبيعة العلاقة السّياسية بقادة الرّياضة والمستفيدين منها، ومعرفة مدى الحريّة المتاحة للقائمين على تنفيذ البرامج الرياضيّة في مناقشة رؤسائهم الرياضيّين أو السّياسيين على حدّ سواء.
ونحن إذ نبحث في العلاقة بين الرّياضة والسّياسة فإنّه من الضروريّ استحضار ما أوضحه عالم الاجتماع الأمريكي أوتو لارسون (Larson) أنّ الرّياضة والأنشطة البدنيّة تؤثّر في سياسة كلّ من الثّقافة والدّولة لكونها متضمّنة في كلّ العمليّات الحكوميّة وفي إدارة شؤون النّاس وفي تقديم أنشطة مرغوب فيها للمواطن وفي الارتقاء بالوضع الصّحي ولياقة الأفراد بالإضافة إلى متطلّبات سياسيّة أخرى.
ويعتقد لارسون أن أكثر القيم السّياسية أهمية في الرّياضة والأنشطة البدنيّة هي قدرتها على تنمية المواطنة الصّالحة؛ فمن خلال الفريق الرّياضي يتاح للممارس فرص طيّبة للتعرف على المقومات السّياسية التي هي مطلب أساسي لكل مجتمع متحضّر مثل احترام الشخصية الإنسانية، تكافؤ الفرص، استخدام العقل في حلّ المشكلات، ضبط النفس.
ومما تجدر ملاحظته أنّ الاتّجاهات السّياسية المختلفة تنافست فيما بينها في تأكيد أهمية الرياضة وأنشطة الفراغ، والعمل على توفير التسهيلات المناسبة في سبيل نشر الرياضة بين فئات المواطنين، وهذا أسهم في جعل جماعات الأندية وهيئات إدارتها ومحترفي الرّياضة من جماعات الضغط واللّوبيات المؤثّرة التي لا يستهان بقوتها على المستوى السياسي بما يدفع دفّة الرّياضة إلى الوجهة التي يرتضونها فقط والتي تحقّق مصالح السياسيين أو الأشخاص الحقيقيّين أو الاعتباريين المهيمنين على هذه اللوبيات وهي ليست بالضرورة الوجهة الصحيحة أو المناسبة التي تحقّق مصلحة الرياضة أو عامّة الرياضيّين.