أثر الرياضة في تحقيق التّوازن بين بناء الجسد وتهذيب الرّوح

تاريخ النشر:
2022-12-29 20:20
المصري محمد صلاح لاعب ليفربول الإنجليزي (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

من جسمٍ كثيفٍ وروحٍ شفافة خلق الله الإنسان، جسمٍ يشده إلى الأرض والطّين وروحٍ تتطلّع إلى السّماء وتحلّقُ به في فضاءات المعالي وتتوق إلى السّماوات العلا، جسمٍ له دوافعه وشهواته وحاجاته ومتطلباته، وروحٍ لها أشواقها وتطلعاتها ورغباتها، والتّوازن يقتضي إعطاء كلّ من الجسم والرّوح غذاءهما دون وكس ولا شطط؛ ولهذا جاءت التّوجيهات الشرعيّة بالاهتمام بالأبدان وصقل الأجسام وبنائها، وبذل الوسع في إنارة العقول وتغذية الأرواح وتهذيب الأخلاق وتزكية النّفوس.

وحرصًا على تحقيق الغذاء المتوازن لكلّ من البدن والرّوح جاء اهتمام الإسلام وحثّه على التّوازن في تحقيق القوّة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما أخرجه مسلم في صحيحه: "الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ" .

ولقد جاء الأمر في القرآن الكريم بالأخذ بأسباب القوة في مواضع عديدة من كتاب الله تعالى العزيز، مع وضع القواعد والقيم لاستخدام هذه القوّة بحيث مدح القرآن القوة حيثما استخدمت وفق ضوابط الشرع، ووجهها صاحبها للإصلاح لا الإفساد، ومن الأمثلة على ذلك قول الله تعالى في سورة البقرة عن طالوت، وبيان سبب اصطفائه: "وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا ۚ قَالُوا أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَيهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ۖ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ".

وكذلك امتدح الله تعالى القوّة حين تعاضدت مع الأخلاق والقيم عند نبيّه موسى عليه الصّلاة والسّلام؛ فقال تعالى في سورة القصص: "قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ". 

أمّا القوة التي يتمّ استخدامها في الظّلم والطّغيان فقد ذمّها الله تعالى، ومن ذلك ذمّ الله تعالى للمنافقين في سورة المنافقون إذ قال: "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۖ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" .

ومن هنا كانت الرياضة من الوسائل الفعّالة لتقوية الجسم وتقويمه، وكذلك لتهذيب الرّوح والارتقاء بها، وقد أمر الإسلام بإعداد القوة وتعهّد الجسد مثلما أمر بتعهّد الروح، فأمر بغذاء الجسم وتعهده بالغذاء الحلال وحرّم الأغذية الفاسدة والمضرة بالجسم، وفي ذلك مدعاة لتنبيه الرّياضيين أن يتعهّدوا أنفسهم بالغذاء الحلال ويبتعدوا عن كل ما حرم الله، ويضرّ بالجسد من مخدّرات ومنشّطات حتى تكون الرّياضة وسيلةً لتقوية الجسم، مما يمكّن العبد من طاعة ربه في جد ونشاط.

ومثلما أمر الشرع بتعهد الجسم بالغذاء الحلال أمر بالاهتمام بالنّظافة العامة والجسدية خاصة، وأحكام الشرع من وضوء واغتسال ونحوهما أعظم دليل على ذلك، فمن هذا كلّه نعرف أن الإسلام اهتم بكلّ الوسائل التي تحفظ جسم الإنسان سليمًا قويًا غير متعبٍ ولا هزيل إذا هو اتبع منهج الإسلام في تقوية الجسم والنظافة والوقاية والعلاج، ليكون كل ذلك وسيلةً تمكّن من إتقان عبادة الله تعالى والتّوجه إليه بصدق وإخلاص.

وكذلك جعل  الإسلام من الرّياضة التي هي أهمّ الوسائل لبناء الجسد وسيلةً رئيسةً لبناء الرّوح من خلال التّأكيد على القيم والأخلاق التي يجب أن يتحلّى بها المرء وهو يكتسب قوّة جسده فيجمع إلى قوّة البدن وصلابته قوّةَ الرّوح ورقيّها وسموّها، فيحقّق صورة ومضمون المؤمن القويّ الذي يمثّل نموذجًا يحتذى في سلامة بدنه وروعة سلوكه ورهافة حسّه وروحه.

شارك: